لماذا لقبت أسماء بذات النطاقين
أسماء بنت أبي بكر
من عظيم هذا الدِّين أن أثبت ما للمرأة من مكانةٍ وأهميّة كما للرجل، فأعطاها ما لها من حقوق، وقد برزت على مرِّ التاريخ الحافل بالأحداث الجِسام أسماءٌ كثيرة لنساءٍ كان لهُنَّ الدور الواضح في نُصرة دين الله بطريقةٍ أو بأخرى، ومن بين تلك النسوة كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن والدها، ولأسماء العديد من المواقف التي تُحسَب لها، وخلّدت كرها على مرِّ التاريخ، وسيبقى حاضراً حتّى قيام الساعة؛ لما لتلك المواقف من أهمية في تغيير مجريات الأحداث، فقد وقفت أسماء -رضي الله عنها- على إحدى ثغرات الإسلام وصانتها أيّما صيانة، وقد ثبت ذلك من خلال ما مرَّ بتاريخها الحافل بالأحداث، فمن هي أسماء ذات النِّطاقَين، ولمَ سُمِّيت بذلك؟
اسم أسماء بنت أبي بكر ونسبها
أسماء ذات النِّطاقَين هي أسماء ابنة الصحابيّ الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، واسمه عبد الله بن عثمان، وأسماء هي زوج الزبير بن العوام، وأمّ عبد الله بن الزبير، واسم أمها قيلة -وقيل: اسمها قتيلة- وهي (ابنة عبد العزى بن عبد أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي).
سبب تسمية أسماء بذات النِّطاقَين
لُقِّبت أسماء -رضي الله عنها- بذات النِّطاقَين بعد حادثة الهجرة النبويّة من مكة إلى المدينة، وكان سبب ذلك اللقب أنها أعدَّت الطعام للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- ولوالدها رفيقه في طريق الهجرة أثناء هجرتهما وقبل خروجهما من مكة، فلم تجد حينها ما تشدُّ الطعام به، فعمدت إلى نطاقها -خمارها- فشقّته نصفَين، فشدّت السّفرة بنصفه وتطوّقت بالنصف الآخر؛ لذلك أطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها ذات النِّطاقَين.
وأصل هذه القصة مرويٌ عن أسماء -رضي الله عنها- في صحيح مسلم دون رفع ذلك الخبر إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، حيث رُوي أنّها خاطبت الحجّاج قائلةً: (كان لي نطاقٌ أغطّي به طعام رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلّم- من النمل، ونطاق لا بُدّ للنساء منه)، وعنها كذلك أنّها قالت: (صنعتُ سُفْرةَ رسولِ اللهِ -صلّى الله عليه وسلّم- في بيتِ أبي بكرٍ حين أرادَ أن يهاجرَ إلى المدينةِ، قالت: فلم نجدْ لسُفرتِه ولا لسِقائِه ما نربطُهما به، فقلت لأبي بكرٍ: واللهِ ما أجدُ شيئًا أربطُ به إلا نِطاقِي، قال: فشُقِّيهِ باثنيْن، فاربِطِيه بواحدِ السقاءِ وبالآخرِ السُّفرةِ، ففعلتُ، فلذلكَ سُمِّيتْ ذات النِّطاقيْن).
مواقف من حياة أسماء
موقف أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- في الهجرة النبويّة لمّا شقّت نطاقها ولفّت به السُّفرة التي أعدّتها للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ولوالدها في طريق هجرتهما، ليس هو موقفها الوحيد، ولكنّه ما اشتُهِر عنها، ومواقف أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها وعن والدها- كثيرةٌ عظيمة، ولكن المواقف الآتي ذِكرها هي ما ترتبط بواقعة الهجرة النبويّة التي جاء بعدها لقب أسماء بذات النِّطاقَين ، ومن مواقفها الكثيرة ما يأتي:
- حدث معها حين الهجرة أنّه لمّا هاجر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مع أبي بكر أتت إلى بيت أبي بكرٍ جماعةٌ من قريش ، وكان فيمن أتى معهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا عند باب دار أبي بكر رضي الله عنه، فخرجت إليهم ابنته أسماء، فقالوا لها: (أين أبوك يا بنت أبي بكر)؟ فقالت لهم: (لا أدري والله أين أبي)، حينها لطمها أبو جهل بيده على خدِّها، وكان فاحشًا خبيثًا - فطُرح قرطها من لطمته تلك.
- من مواقفها كذلك أنّه لمّا خرج والدها أبو بكر -رضي الله عنه- مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة، حمل معه جميع أمواله، وقد بلغت حينها ما يقارب خمسة آلاف درهم إلى ستة آلاف، فجاء إليهم جدّها لأبيها أبو قحافة وكان حينها أعمى، فقال: (والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه)، فقالت له أسماء: (كلّا يا أبتِ، قد ترك لنا خيراً كثيراً)، فجمعتِ الكثير من الحجارة ثمّ وضعتها في ركنٍ من أركان البيت كان أبو بكر يضع فيه ماله، ثمّ أخذت ثوباً فغطّتها به، ثمّ أمسكت بيد جدها وقالت له: (يا أبتِ؛ ضع يدك على هذا المال)، فوضع يده على الحجارة المُغطّاة، ثمّ قال: (لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم). قالت أسماء: (لا والله ما ترك لنا شيئاً، ولكنّي لأردت أن أسكن الشيخ بذلك).
مولد أسماء بنت أبي بكر
أسماء بنت أبي بكر أكبر سناً من السيّدة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنهما، وهي أختها لأبيها -غير الشقيقة، أمّا عبد الله بن أبي بكر فهو شقيق أسماء رضي الله عنهم جميعاً، وقد وُلِدت السيّدة أسماء -رضي الله عنها- قبل الهجرة بسبعٍ وعشرين سنةً، وكان عمر أبيها حين مولدها عشرين سنةً ونيّفاً، وقد كانت أسماء بنت أبي بكر من السَّبّاقات إلى الإسلام حيث كان ذلك بعد إسلام سبعة عشر شخصاً، ولمّا هاجرت إلى المدينة المنورة كانت حاملاً بعبد الله بن الزبير، فولدته قبل وصولها إلى المدينة ، وكان مولده في قباء تحديداً.
وفاة أسماء بنت أبي بكر
حين جاءت الوفاة أسماءَ -رضي الله عنها- طلبت من أهلها أن يُجْمِرُوا ثِيَابِها بعد موتها ثمّ يُحنّطوها، وطلبت منهم ألّا يذَرُوا عَلَى كَفَنِها حَنُوطًا وَلا يُتبعوها من ثِيَابِها شَيْئًا، وكان موتها بَعْدَ مقَتلِ ابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ بن الزبير بعدّة أيام، وقد كان مقتله يوم الثلاثاء السابع عشر مِنْ جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ للهجرة.