كيفية حماية التراث
حماية التراث
تعاونت الدول العربيّة منذ عام 1947م على إحياء التراث العربي، وتنشيطه، والحفاظ عليه، كما استُخدمت الوسائل المُختلفة لنشره بين الناس قدر استطاعتها، وفي عام 1970م، أُنشئت المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم، التي تُواصل حتّى اليوم عملها في الحفاظ على التراث العربي، من خلال مجموعةٍ من البرامج والمشاريع المُختلفة، إضافةً إلى المؤتمرات التي تبحث في شؤون التراث الثقافيّ والآثار.
حماية التراث الثقافي والطبيعي
اهتمت منظمات عالميّة عديدة بالتراث على المستوى العالمي، فقد شجعت منظمة اليونسكو على حماية التراث الثقافيّ والطبيعيّ؛ من خلال عقد اتفاقيّةٍ دوليّةٍ في عام 1972م، والتي عُرفت باسم اتفاقيّة حماية التراث العالميّ الثقافيّ والطبيعيّ.
وتتجسّد آلية حماية التراث في تنفيذ العديد من الأنشطة بتعاونٍ مُنسّق بين المنظمات العالميّة، ومن الأمثلة على طُرق حماية التراث والحفاظ عليه ما يأتي:
نشر الحرف التقليدية من جديد
وذلك من خلال عمل برامج خاصة تعترف بالحرفيين التقليديين وترفع من قيمتهم.
وُرش عمل لتعليم التراث والحفاظ عليه
تنظيم وإعداد مشاريع وورش عملٍ تسعى لتعليم التراث والحفاظ عليه من الاندثار.
عقد الدورات التدريبية لمناقشة قضايا متعلقة بالتراث
تنظيم الدورات التدريبية في دور خاصة بهدف مناقشة القضايا المتعلقة بالتراث.
تنظيم العلاقة بين السياسة الوطنية وخطة العمل
إعادة تأهيل التراث والنهوض به من خلال تنظيم العلاقة بين السياسة الوطنيّة وخطة العمل وتنفيذ المشاريع.
أما بنود الاتفاقية المذكورة سابقًا فقد تضمنت ما يأتي:
- يجب على كلّ دولةٍ تُمثّل طرفًا في الاتفاقيّة أن تتعهّد بحماية كلّ ما على أرضها من تراث وتنقله من جيلٍ إلى جيل، كما ويجب أن توظف كلّ ما لديها من موارد من أجل هذه الغاية، إضافةً إلى تقديم أيّ مساعدةٍ تقنيّةٍ وفنيّةٍ يمكن أن تعود بالفائدة على التراث والحفاظ عليه.
- دمج حماية التراث في برامج شاملة، وإعطاء التراث الطبيعيّ والثقافي أهميته على أكمل وجه وتوظيفه بشكلٍ فعّال في المجتمع.
- إعداد خدماتٍ تهدف إلى حماية التراث، وعمل أنشطةٍ تهدف إلى عرض وتقديم التراث إلى الأفراد مع توفير جميع السُّبل والمواد اللازمة لذلك.
- إنشاء مراكز وطنيّة أو إقليميّة تسعى لتدريب الأفراد على حماية تُراثهم وتشجيعهم على إقامة الأبحاث العلميّة المتعلقة به.
- وضع خطط قانونيّة وعلميّة وماليّة وإداريّة تخدم حماية التراث والحفاظ عليه و نقله من جيلٍ لآخر.
- اتخاذ الإجراءات اللازمة في حال تعرّض التراث للتهديد، كما يجب على الدولة أن تضع دراساتٍ علميّة وتقنيّة من شأنها أن تواجه الأخطار التي قد يتعرّض لها التراث.
- تتعهّد الدول الأطراف في الاتفاقيّة على عدم التعرض بشكلٍ سلبي لتراث دولةٍ أو إقليمٍ آخر يُعدّ طرفًا في الاتفاقيّة أيضًا.
أهمية حماية التراث
يمنح التراث كلّ شعبٍ هويته التي تميزه عن غيره من الشعوب، كما يمنحها قيمتها الاجتماعيّة والفنيّة والعلميّة والتربويّة، وهو المكوّن الأساسي للحضارة؛ وذلك لكونه مجموعة من الخبرات المتراكمة على مر العصور.
إذ يؤدي تراكم الخبرات وتجمعها إلى تكوين الذاكرة التي تجعل الأفراد يربطون بين خبراتهم السابقة والحاليّة؛ لذلك فإنّه حري بكلّ شعبٍ أن يحافظ على تراثه ويحميه؛ حيث يؤدّي فقدانه وزواله إلى زوال هويّته وفقدان ذاكرته.
ويتنوع التراث بشكلٍ كبير، فمنه ما هو مرتبط بالعلم، ومنه ما يرتبط بالفن والأخلاق والعادات، وكما يرتبط التراث بالصناعات والمهن، ومنه ما هو مرتبط بالمعتقدات، وينتقل التراث من الماضي إلى الحاضر بجميع أشكاله وأنواعه عن طريق اللغة والتعليم وأنظمة المُحاكاة الحديثة.
جوانب التراث
إنّ جميع أنواع التراث نتاج عن الحياة البشريّة، فهي خبرات تنتقل من السلف إلى من يخلفهم على الأرض، وللتراث جانبان أساسيّان هما: الجانب المعنوي، والذي يشتمل على العلوم والأدب والقيم والعادات، والجانب المادي، ويشتمل على أشياء ملموسة، مثل: الآثار، والمباني، كما يشتمل على الأحداث التي تقع وتتناقل بين الناس، وبذلك فإنّ للتراث تأثيرًا كبيرًا في صنع الحاضر، وهو يتدفّق نحو المستقبل أيضًا.
وبحسب اتفاقيّة اليونسكو لعام 1972م المذكورة أعلاه، فقد تحدد التراث العالميّ بنوعين، هما: التراث الثقافيّ والتراث الطبيعيّ، أما التراث الثقافيّ فيشتمل على المعالم الأثريّة، والمباني الفنيّة والتاريخيّة، والمواقع الأثريّة، أو الأعمال الأثريّة الناتجة عن عمل الإنسان، أو المشتركة بين الطبيعة والإنسان.
أمّا التراث الطبيعيّ فيشتمل على التشكيلات الجيولوجيّة، والمناطق التي تحتوي على الحيوانات والنباتات المهدّدة بالانقراض، والتي تحمل قيمة عالية ومتميزة، والمناطق الطبيعيّة، والتي لها جمال طبيعيّ يجب الحفاظ عليه.
علاقة الإنسان بالتراث
تكمن علاقة الإنسان الوطيدة بتراثه في أنّه المحدّد الأساسيّ لهويته، والرابط لحاضره بتاريخه وماضيه، وبذلك أصبح الإنسان ينتمي إلى تراثه انتماءً كبيرًا ويتباهى به، ويمنع المساس به أو تشويهه؛ لما له من قيمة كبيرة تشغل تفكيره وعاداته وتقاليده.
رأي الدكتور محمد عابد الجابري
يؤكّد الدكتور محمد عابد الجابري -رحمه الله- في كتابه الذي يحمل عنوان (نحن والتراث) على أنّ الإنسان العربيّ مرتبط بتراثه ارتباطًا وثيقًا كارتباطه بالحياة، فهو يتلقّى تُراثه، ويتشبّع به منذ لحظة ميلاده؛ من خلال المفاهيم، والكلمات، والخرافات، والقصص، والحكايات، وطريقة التعامل مع الأشياء من حوله، كما يظهر ارتباطه بتراثه من أسلوب تفكيره المستمد من التراث، وبذلك فإنّ انقطاع الإنسان العربيّ عن تُراثه يمثّل له الموت.
ويقول الجابري إنّ جميع شعوب الأرض ترتبط بتُراثها بنسبٍ مختلفة؛ إلّا أنّه يوجد فارق كبير بين من يُفكّر في تُراثه على أنّه وصلة ممتدّة إلى الحاضر والمستقبل، ومن يفكر في تُراثه على أنّه شيء منقطع من الماضي.
رأي الدكتور فريدريك معتوق
ويقول الدكتور فريدريك معتوق في كتابه (مدخل إلى سوسيولوجيا التراث) أنّ علاقة العربيّ بتُراثه تتغذّى وتكبر من التراث؛ حيث يتعلّق عقله بما يحتويه ماضيه من إنجازاتٍ على مستوى العلم والأدب والفلسفة، ويظن الدكتور أنّه من الممكن قطع الإنسان الإفريقيّ عن تُراثه، بينما لا يُمكن فعل ذلك مع العربيّ؛ إذ إنّ التراث بالنسبة له عبارة عن حياته الماضية والحاضرة، وهو ما يعطيه مدلولاً اجتماعيّاً ودينيّاً فيها.
ويُعدّ التراث جزءًا مهمًا من الوعي السياسيّ، والوعي الاجتماعيّ؛ حيث يعتقد الفرد أنّ ما كان صحيحًا ويُهتدى به في الماضي، هو صحيح الآن ويُمكن الاهتداء به أيضًا على المستويين السياسيّ والاجتماعي، وبذلك يُشكّل التراث مثالًا يُحتذى به.
حيث يتطابق مع الحياة الاجتماعيّة في الماضي والحاضر، كما يتطابق من حيث السياسة قديمًا مع السياسة المُعاصرة، فهو يُشكّل مرجعًا موثوقًا لا يقبل البحث والمناقشة، ويتميّز التراث بأنّه أقوى من الحاضر؛ حيث يضمن استمرارية الأمة، ويُحقّق التوازن بين الماضي، والحاضر، والمستقبل، ويوازن بين عطاء الشعوب وفكرها.