فضل قيام الثلث الأخير من الليل
فضل قيام الثلث الأخير من الليل
الثلث الأخير من الليل وقتٌ مُبارك وفرصة عظيمةٌ يفضّل اغتنامها؛ لأنّ الله -عز وجل- يتنزّل في هذا الوقت من اليوم إلى السماء الدنيا ليُجيب حاجات العباد، لذلك يُستحبّ قيام هذا الوقت من الليل والتقرّب من الله -تعالى- فيه لنيل مرضاته والفوز برحمته وقبوله، وقد أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له)، وأفضل الصلاة بعد الفرض؛ صلاة قيام الليل كما بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك فقال: (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ).
ويستطيع العبد عند قيامه في الثلث الأخير من الليل سؤال الله -سبحانه وتعالى- ما يريد من أمور الدنيا والآخرة، فهو وقت استجابة الدعاء بإذن الله، ويكون العبد بهذا الوقت أقرب ما يكون لله -عزّ وجلّ-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبدِ في جوفِ الليلِ الآخرِ فإِنِ استطعْتَ أن تكونَ ممن يذكرُ اللهَ في تلْكَ الساعَةِ فكُنْ)، ويُقسم اللّيل إلى ثلاثة أقسام؛ يبدأ بغروب الشمس وينتهي بطلوع الفجر ، فيستطيع العبد معرفة وقت الثلث الأخير من الليل بتقسيم مجموع الساعات خلال هذه المُدّة على ثلاثة أقسام لمعرفة عدد ساعات الثلث الأخير منه.
فضل قيام الليل
إنّ لقيام الليل فضائل عديدة، وبيان بعضها فيما يأتي:
- ثناء الله -تعالى- على عباده الذين يحرصون على قيام الليل بالصلاة، والذكر، والدعاء وقراءة القرآن، وغيره من العبادات، وقيام الليل من علامات المُتَقين، وقد أثنى عليهم الله -تعالى- في الكثير من مواضع القرآن الكريم، كقوله في سورة الذاريات: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
- وصف الله -تعالى- ومدح أهل قيام الليل بالكثير من الصفات الحسنة والأخلاق الحميدة التي يتفرّدون بها عن غيرهم من عباد الله، فقال -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وقال -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).
- يحظى مُقيمو الليل بمنزلةٍ مختلفة عند الله -تعالى-، فقد فضّلهم الله عن غيرهم من عباده، وبيّن ذلك في كتابه الكريم فقال: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).
- قيام الليل سببٌ لتحقيق رحمة الله -تعالى- على عباده، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (رحِمَ اللَّهُ رجلًا قامَ مِن اللَّيلِ فصلَّى وأيقظَ امرأتَه، فإن أبَتْ نضحَ في وجهِها الماءَ، رحِمَ اللَّهُ امرأةً قامَت مِن اللَّيلِ وصلَّتْ وأيقظَتْ زِوجَها، فإن أبَى نضَحَتْ في وجهِه الماءَ).
- حثِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمّته على قيام الليل لما فيه من الخير والجزاء الحسن الذي يعود عليهم، وقد دلّت الكثير من الآثار في السنة النبوية على ذلك، فعن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: (جِئْتُ في الناسِ لِأَنْظُرَ إليه فلما استَثْبَتُّ وجهَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَرَفْتُ أن وجهَه ليس بوجهِ كذاب، وكان أَوَّلُ شيءٍ تكلم به أن قال: أَيُّها الناسُ، أَفْشُوا السلامَ، وأَطْعِمُوا الطعامَ، وصَلُّوا والناسُ نِيَامٌ، تَدْخُلوا الجنةَ بسَلَامٍ)، وقال الله -تعالى- لعباده في سورة الإنسان: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا* وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلً).
- وصَف الله -تعالى- أهل قيام الليل بأنهم أولياؤه الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، وينال فاعله قُرب الله -تعالى- والفوز بالأجر العظيم في الدنيا والآخرة، والفوز بجنات الخُلد التي أُعدّت للمتقين، قال -تعالى-: (أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ* الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ* لَهُمُ البُشرى فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبديلَ لِكَلِماتِ اللَّـهِ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ)، وقوله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا).
ما يعين على قيام الليل
قيام الليل ليس بالأمر السهل واليسير على العباد، إذ قال -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)، لذلك هناك ما يُعين عليه؛ كاستذكار واستشعار ظُلمة القبر الطويلة، مما يُخفّف على نفس العبد الظلمة خلال قيام الليل، ويُستحسن تقليل كمّية الطعام قبل النوم حتى لا يغلب العبد نومه فلا يقوى على القيام من شدّة الشّبع، وقد كان الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "الشبع يثقل البدن، ويذيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة"، ويُفضّل بذل القليل من الجهد في الأعمال الدنيوية حتى يكون الجسم في حالة راحة عند النوم، والأفضل الحرص على نوم القيلولة خلال النهار، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحثّ عليها، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قِيلُوا، فإنَّ الشياطينَ لا تَقِيلُ).