شعر غياب الحبيب
غياب الحبيب
للغياب أثر كبير مؤلم على النفس، خاصّةً إذا كان الغائب هو من تهواه الروح، ويريده القلب، وقد برع الشعراء في التعبير عن مشاعرهم وقوّة عاطفتهم من خلال أشعار وقصائئد رائعة. نقدّم في هذا المقال باقة من الشعر الذي يعبّر عن الألم الذي يشعره من ودّع أحبّاءه.
شعر غياب الحبيب
- قال محمد بن عبود العمودي في غياب الحبيب:
سكَنَ اللَّيلُ والأماني عِذاب
- وحنيني إلى الحبيبِ عَذاب
كُلَّما داعبَ الكرَى جَفنَ عيني
- هزَّني الشَّوقُ وأضناني الغياب
يا حبيبي هواكَ أضنى فؤادي
- وكأنَّ الجَوى بجسمي حِراب
أضرمَ النَّارَ في الحنايا لهيباً
- مثلَ ليلٍ أضاءَ فيهِ شِهاب
وأنا في ذُرَى الغرامِ غَريقٌ
- مِلأُ عيني دُجىً كساهُ الضَّباب
أنا والشَّوقُ في الغرامِ ضحايا
- سرَقَ البُعدُ عُمرَنا والغياب
قدَرٌ نُهدرُ السِّنينَ سَهارَى
- ليلُنا غُربةٌ فكيفَ المآب
قدَرٌ نعشَقُ الصِّعابَ و نَمشي
- في طريقٍ به الشُّجاعُ يُهاب
كيفَ ألقاكَ والدُّروبُ شِراكٌ
- وعلى البابِ حاجِبٌ و حِجاب
بيننا يا ضياءَ عيني بحورٌ
- يملأُ العينَ حرُّها والسَّراب
ننشُّدُ الوَصلَ قد يكونُ قريبا
- هل على العاشقين ثَمَّ حِساب
ربَّما نلتقي غداً ونغنِّي
- لحنَ حُبٍّ غِناؤهُ مستطاب
وغداً تُنبِتُ الرِّياضُ زهوراً
- ويعودُ الهَوى لنا والشَّباب
كُلَّما طالَ بُعدُنا زِدتُّ قُرباً يجمعُ الحَرفُ بيننا والخِطاب
- قال مطلق عبد الخالق في غياب الحبيب:
طيف الحبيب ولهفة المحزون
- إني أحن إليك كل حنين
تهفو اليك جوانحي وجوارحي
- وتذوب فيك عواطفي وشجوني
وتهيجني الذكرى فيرقص خاطري
- ويرفّ حولك رفة المجنون
ويهزني شوقي إليك فانثني
- متلهفاً والدمع ملء عيوني
اللَه في العاني يكتّم حبه
- فيثير فيه الحب كل دفين
طيف الحبيب وانت زهرتي التي
- احيا لها وغلالة النسرين
يا طير احلامي الجميلَ تهيجه
- ذكرى الحبيب الواله المفتون
يا شمس آمالي وجنة نشوتي
- ونسيم زفراتي وراح أنيني
يا وهجة النور السني وهمسة ال
- سر الخفيّ الغامض المكنون
يا رأد آلامي وبارق لذتي
- يا مرّ أشجاني وعذب شجوني
يا فيض الهامي وهجسة خاطري
- وعروس أشعاري وسحر فتوني
أنا في هواك اذوب كل هنيهة
- حبا ونار محبتي تصليني
طيف الحبيب انا خيال طائف
- في عالم متلون محنون
امضي وفي خلدي شعاع غامض
- متموج في طلسم مكنون
ويهزني امل جميل باسم
- فاعود منه بصفقة المغبون
فاروح اندب فيه سيء طالعي
- اسوان ارزح تحت عبء سنيني
واذوب في نفسي ويصهرني الاسى
- واغيب عن وعيي غياب جنون
وأتيه في صحراء روح حائر
- متألم متبرم مسكين
يبغي انطلاقاً وهو قيد جبلة
- مرذولة من طينة الأرضين
يا بؤسه تسمو به اشواقه
- حيناً ويصعقه الهوى في حين
فيروح بين صعوده وهبوطه
- وأروح بين تفجعي وانيني
حتى إذا ما لحتَ لي في حلة ال
- حسن البهيّ الرائع التكوين
بغضارة القدّ الذي يهتاجني
- ونضارة الوجه الذي يسبيني
وبدوت لي في الليل اهيف لاثماً
- قيثارة الايقاع والتلحين
تشدو اغاريد السماء فتنتشي ال
- أزهارُ والاطيار فوق غصون
ترنو الى وجهي وثغرك باسمٌ
- وتمسه في رقة وحنين
والليل يخطر خاشعاً متهيباً
- ويلفنا في هدأة وسكون
فأذوب في ملأ تباعد افقه
- في الجو في هامات عليين
احييت آمالي وغرد خاطري
- وتساقطت فرحاً عليك شؤوني
ونعمت في الاحلام أنشد غايتي
- طيف الحبيب ولذتي وفتوني
طيف الحبيب يلومني فيك الورى
- ولو انهم عرفوك ما لاموني
- عدت وأنا أتجرّع مرارة الألم وذلك الجحود
عدت وأنا أجرّ أذيال خيبتي وخسارتي في الحب
عشت عمري وأنا في وفاء وولاء له اعتقاد مني
بأنه مضرب للأمثال.
- انتهينا وانتهى ذاك
وانتهى وقت المذلة والخضوع
- غاب عني وقلبي عنده ورحل
غاب عني وأنا المتيّم به وحبه المنتظر
غاب عني وأحسست بشعور غير شعور البشر
غاب عني والدنيا كلها تنادي أغلى البشر
أسال عنك أينما ذهبت لكن لا يوجد خبر
شغلت قلبي وعقلي وصار بهما شيء من الكدر
قلبي تعلّق بك، أين أنت، هل من خبر؟
هل أنت تسمعني أم قلبك من حجر؟
هل غيابك عني فيه فكرة وبعده الخبر؟
أكتب اليك حبّي وأملي
أنتِ أعدتِ لي الحياة فلا تأخذي مني الأمل
صرت مثل الأرض العطشى تنتظر المطر
- اسأل قلبك عني هل حبي فيه دخل
الحب ليست كلمة عابرة، هي الحياة وهي الأمل
تعلّق قلبي بك فجهرت الدنيا واختصرت الزمن
إنّي انتظر قلبك وحبك لا أريد أن أعود للماضي والألم
عيناي أغمضتهما لتعود لي لأنك أنت البصر
إنّي أنتظر حبّك فلا تقتلني يا أعز البشر.
- إذا كانت المرايا هي لصوص الوجوه
فإن الغياب هو سارق الفرح من القلوب
لأنه يجعل الروح تحلق وحيدة على أطراف حلم لا ملامح له
بعيداً عن مرافئ الحنان والأمان.
- وفي الغياب
يجتاحنا سؤال مخيف:
ما قيمة الحب إذا ضاع العمر في الانتظار؟
ولماذا يباغتنا الغياب دوماً من بابٍ كان مُهيّأ للحضور؟
- في ظلام الليل
ميلاد الحنين
وفي هدوئه
يبتدئ صوت الصخب
أشهقك مشتاق
وأزفرك بأنين
ما جنيت من الھوى غير التعب.
قصائد في غياب الحبيب
من جميل ما نظمه الشعراء في غياب الحبيب، اخترنا لكم ما يأتي:
غياب الأحبّة
ريان عبدالرزاق الشققي
أهرقتُ بنت العين بعد فراقكم
سيلاً يموج وبحر روحي متعبُ
والقلب يخفق في صراع بكائه
والصدر ضجّ كطبل حرب يضرب
ما للنسائم في حياتي موضع
ما للمناهل مسلك يتوثّب
ما للضلوع جلادة كي تنكوي
بلظى الفراق وكل يوم تُثقب
النّهر يلهث من جفاف سمائه
والقلب يلوي إن جفاه المطلب
والنفس تذرف دمعها من عينها
في ظلّ خطب بان منه المأرب
والرّوح ما للروح في كوني سما
ضجرت فراحت للفضا تتحسّب
طرقت دروب الشّوق عند أحبة
والشّوق أين لظاه منها يهرب
فتعثّرَتْ كلّ الخَطا وتذمرت
وبدا الزّمان إلى التّخاذل أقرب
تاهت وضاعت في النجوم سبيلها
كل الدروب على المدى تتشعّب
أين الضواحك أين أين أحبتي
أين المناهل أين منّي المشرب
أين المنازل تنحني للقائنا
أين النسائم تهتدي وتقرِّب
قد كان ظنّي أن قلبي باسل
يقوى على الهجران لا يتعذّب
قد كنت أحسب أنه ياليتني
لا أعشق الأحباب لا أتحبّب
فإذا أراني والحياة ذميمة
ألتاع بالذكرى وحسبي أطرب
وإذا الورود مساقة عن سوقها
تسقي الرحيق لنحلة تتورّب
فالعطر ناء مع الأحبة عندما
رحلوا وقمت إلى المدى أتصوّب
جياشة في القلب عاطفتي التي
قد أطلقتْ سهماً يُصيب ويثقب
أمري غريب يا أحبة خافقي
لو أطلب الدنيا تعزّ وتنصب
مثل أنا في العشق أُضرب كلما
رحل الحبيب وطيفه يتقرّب
سأحبُّ مادام الفؤاد مردداً
ضرباته فمراده لا ينضب
ولئن هنا قلبي فحسبي راحل
إن ماد تحتي السطح لا تتعجبّوا.
وعد الغياب
يوسف الديك
عِدني حبيبي
بأنّك مهما ابتعدتَ وغبتَ
ستبقى وفياً لعهد الصفاء
عِدني ..
لعلّ الليالي تمرّ
تهدهد ضلعي بهدأة وعد الوفاء
عِدني ..
بأنّك نبضٌ بقلبي تظل
لأبقى بقلبك شريان قلبك
وأنّي برغم المسافات ما بيننا
رغم الحدود .. البحار ..السدود
أعيشُ بقربك
عِدني، حبيبي
بأنك إن حلّ قهري
وإن ضلّ صبري
وضاقت بانة روحي أحزانُ عمري
وصحتُ من الشوقِ
عُد يا حبيبي
عِدني ..تعود!
هو الحب .. يزهو، ويحلو
بطيب الوعود، وصدق العهود
عِدني ..
برغم اغترابك في طرقات السكون
ألا تغيبَ حُلمَ التلاقي
وألاّ تخون!
ووعدٌ بأنك مهما تغيب
ستبقى الندى في صباحي
وتبقى الحبيب
وإن هنتُ عندكَ ..لستَ تهون
عِدني ..
برمشكَ حين يرفُّ
يغازلُ عيني
وصدركَ حين يجفُّ بأن تحتضنّي
لجنح الليالي خيالاً جميلاً
وألاّ تدعني
وعِدني
وعِدني..وعِدني!
عِدني بأن تتنفّسَ من رئتيّ
إذا احتجتَ شهقةً من حنين
وأن تطفئ النارَ في شفتيّ
وتحرسَ خدّاً لظَته السنين
وعِدني حبيبي
ألا تغيب ولا تبتعد
وتلمس عيني كرمشي
إذا أُغمضت نتّحد
أحبك، عِدني
أحبّك حتى وإن لم تعِدْ!
وشم على ساعد الغياب
روضة الحاج
كن عند أبواب الحضور
وأن تشاء فلا تكن
دعنى أقبّل في سبيلك يا أنا
قلباً يحاذر أن يجوب
ولان هذا الشوق بات الآن أعتى ما أخاف
رجعت ليلاً كالغريب
وحدي أنا أدري
بأن الشوق حين تكون سيده
ووجهته.....عجيب
شوق يصادر هذه الدنيا
ويختصر المسافة
ويشعل الانحاء بركاناً
فيحترق اللهيب
شوق يلحّ ولا يحاور
يُدعى إلا سواه... فاستجيب
يا كلّ هذا القلب
يا حلماً يحصارني نهاراً
يا صفيّ الرّوح
يا بوابة تُفضي إلى غير الهروب
أو ما رجوتك حينما حان الرحيل
أن أتّئد
عنّي تنحّى ... لا تُطلّ على من كل الدروب
أو ما تعاهدنا هنا
ألا تلوح بمقلتيّ
ألّا تقيم بمهجتي
ألا تُحدّد وجهتي حتى أؤوب
فلَم يسأل كل من ألقى
عن الوهج الغريب بمقلتيّ يبدو
وعن رجلٍ غريب
ولمَ قفزت إلى فمي
لمّا هممت بأن أقول
حرفاً بكل قصيدة
وقُبيل كل مقالة
وبُعيدَة كل حكاية نغماً طروب
ولمَ رأيتك حينما ضحك الصغار
وحينما لاح النخيل
وحين ثار النيل
كيف طلعت في شفق الصباح
وكنت في شفق الغروب؟
شيء عجيبٌ يا أنا
شيءٌ عجيب
توقيع أنّك لن تلحّ علي
ما جفّت صحائفه ولا رفع القلم
لم توفِ بالعهد الجديد ولا القديم..ولم ..ولم
يا مُنتهى شوقي
ويا كل الجراحات التي بُرئت
ويا كل التي تهب الألم
من أيّ أسباب السماء هويت نحوي
مثلما النجم البعيد
فأنا انتبذت من المكان قصيه
خبّأت وجهي تحت وامتنعت عن القصيد
وسلكت وعر الدرب ليلاً
واهتديت بأنجمٍ أَفِلَت
وغيّرت الصوى طراً
وأعدلت النشيد
كيف اهتديت إليّ كيف
وبيننا بحران يصتخبان
الآلف من الأميال صحراء وغابات وبيد؟
أتُراك كنت حقيبتي
أم بين أمتعتي دخلت
أم اختبأت هناك فيَّ
دماً يسافر للوريد من الوريد
عجبي إذاً
إن كنتُ لن أنفكّ من قيد تُكبّلني به
إن كنت أمضي كي أعود
عجباً إذاً
إن كان هذا القلب قد بايعته ملكاً عليّا
فباعني رغمي
ويفعل ما يريد
أنا لن أسافر مرةً أخرى
لتسبقني ويفضحني الشرود
أنا لن أحاول حيلةً أخرى
والمحطّات القريبة والبعيدة
عابراً متجاوزاً كل الحدود
أنا لن ألاحق مهرجان العيد
بعد العام هذا
إذ بغيرك لن يكون في الكون عيد.
نأى آخر الأيام عنك حبيبُ
إبراهيم بن المهدي
نأى آخر الأيام عنك حبيبُ
فللعين سحٌ دائمٌ وغروبُ
دعته نوى لا يرتجى أوبةٌ لها
فقلبكَ مسلوبٌ وأنتَ كئيبُ
يؤوب إلى أوطانه كل غائبٍ
وأحمدُ في الغيابِ ليس يؤوبُ
تبدل داراً غير داري وحيرةً
سواي وأحداثُ الزمان تنوبُ
وكان نصيب العين في كل لذةٍ
فأمسي وما للعين فيه نصيبُ
كأن لم يكن كالغصن في ميعةِ الضحى
سقاه الندى فاهتز وهو رطيبُ
كأن لم يكن كالصقر أوفى بشامخ
الذرى وهو يقظان الفؤاد طلوبُ
كأن لم يكن كالرمح يعدل صدره
غداة الطعان لهدمٌ وكعوبُ
يغض الحديدَ المحكمَ النسج حدّه
ويبدو وراء القرن وهو خضيبُ
كأن لم يكن كالدر يلمع نورهُ
بأصدافه لما تشنه ثقوبُ
كأن لم يكن زين الغناء ومعقلَ
النساء إذا يومٌ يكونُ عصيبُ
وريحان صدري كان حين أشمه
ومؤنس قصري كان حين أغيبُ
كأني منه كنت في نوم حالم
نفى لذة الأحلام عنه هبوبُ
وكانت يدي ملأى به ثم أصبحت
بحمدٍ إلهي وهي منه سليبُ
قليلاً من الأيام لم يرو ناظري
بها منه حتى أعلقته شعوبُ
كظل سحابٍ لم يقم غير ساعةٍ
إلى أن أطاحته فطاح جنوبُ
أو الشمس لما من غمامٍ تحسرت
مساءً وقد ولت وحان غروبُ
سأبكيك ما أبقت دموعي والبكى
بعيني ماءً يا بني يجيبُ
وما غار نجمٌ أو تغنت حمامةٌ
أو اخضرّ في فرع الأراك قضيبُ
حياتي ما دامت حياتي فإن أمُت
ثويتُ وفي قلبي عليك ندوبُ
وأضمر إن أنغدت دمعي لوعةً
عليك لها تحتَ الضلوعِ وجيبُ
دعوت أطباء العراق فلم يصب
دواءك منهم في البلاد طبيبُ
ولم يملك الآسونَ دفعاً لمهجةٍ
عليها لإشراك المنون رقيبُ
قصمت جناحي بعدما هد منكبي
أخوك فرأسي قد علاه مشيبُ
فأصبحتُ في الهلاكِ إلا حشاشةً
تُذابُ بنارِ الحزنِ فهيَ تذوبُ
توليتما في حقبةٍ فتركتما
صدى يتولى تارةً ويثوبُ
فلا ميت إلا دون رزئك رزؤه
ولو فتتت حزناً عليه قلوبُ
وإني وإن قدمت قبلي لعالمٌ
بأنّي وإن أبطأت منك قريبُ
وإن صباحاً نلتقي في مسائه
صباحٌ إلى قلبي الغداةَ حبيبُ
وعسى الذي أهدى ليوسف أهله
وأعزه في السجن وهو غريبُ
أن يستجيب لنا فيجمع شملنا
فالله رب العالمين قريبُ