حكم الموسيقى
ما يحرم من الموسيقى بالاتفاق
اتّفق العلماء على حُرمة الموسيقى في حال اقترانها بنوع من أنواع المُحرّمات؛ كالكلام الذي يدعو إلى الفاحشة والرَّذيلة، والصّور التي تخدش الحياء والأدب، وقد استدلّوا على ذلك بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي قَرن فيه بين شرب الخمر والموسيقى فقال: (لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ).
ما يجوز من الموسيقى بالاتفاق
أُشير مسبقاً إلى قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ)، فعموم لفظ (المَعازِفَ) يُفيد تحريم جميع أنواع آلات الموسيقى واللّهو، إلّا أنّه يُستثنى من ذلك ما ثبت بالدّليل إباحته، ومن ذلك ما يأتي:
- الطُّبول: أباح العلماء الطّبل الذي يكون له وجهان، ويُستعمل في إعلان الحرب، أو وصول ومجيء القوافل العظيمة، وقد استدلّوا على ذلك بقياسه على الدّفوف التي ينتفي فيها الطّرب واللّهو.
- الدّفوف: ويُقصد بالدّف الطار أو الغربال الذي تكون إحدى جهتيه مغشّاه بالجلد، وقد اتّفق العلماء على إباحته في النّكاح والعرس، وذلك لِما ثبت عن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء -رضيَ الله عنها- قالت: (جَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ علَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا، يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ ويَنْدُبْنَ مَن قُتِلَ مِن آبَائِي يَومَ بَدْرٍ، إذْ قالَتْ إحْدَاهُنَّ: وفينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ ما في غَدٍ، فَقالَ: دَعِي هذِه، وقُولِي بالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ).
- ويكون الضّرب به قبل وقت العقد وبعده بقليل، أمّا الضرب به في غير ذلك ممّا فيه إظهار الفرح والسّرور من ولادة، وأعياد، وشفاء مريض، ونحو ذلك، فقد أباحه بعض العلماء لِما ثبت عن بريد بن حصيب الأسلمي -رضيَ الله عنه- قال: (خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في بعضِ مَغازيهِ، فلمَّا انصرفَ جاءت جاريةٌ سوداءُ، فقالت: يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كُنتُ نذرتُ إن ردَّكَ اللَّهُ سالمًا أن أضربَ بينَ يديكَ بالدُّفِّ وأتغنَّى، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: إن كنتِ نذَرتِ فاضربي وإلَّا فلا).
وتجدر الإشارة إلى أنّ جمهور العلماء قالوا بجواز الضّرب على الدفّ للرّجال والنّساء ، وذلك لأنّ الأصل في الأحكام مخاطبتها لكلا الطّرفين ما لم يرد دليلٌ يُثبت التّفريق بينهما في الحكم، ولأنّ الضّرب عليه لا يُعدّ أمراً تختصّ به النّساء، فلا يكون ضرب الرّجال عليه تشبُّهاً بهنّ.
ما اختلف فيه من الموسيقى
تعدّدت آراء العلماء في حكم الموسيقى حال اقترانها بالكلام الحسن الذي لا فحش فيه ولا يدعو إلّا للخير والفضيلة على قولين:
- القول الأوّل: ذهب أصحاب هذا القول إلى حُرمة الاستماع للآلات الموسيقية والمعازف على اختلاف أنواعها من أوتارٍ، ومزامير، ونحو ذلك، وإن كان الكلام المُقترن بها حسناً لا فحش فيه، وممّن قال بإجماع العلماء على ذلك القرطبيّ، وابن الصلاح، وابن القيم، والطّبري، وابن حجر الهيتمي، وقد استدلّ أصحاب هذا القول على ذلك بما يأتي:
- قول الله -تعالى-: (وَاستَفزِز مَنِ استَطَعتَ مِنهُم بِصَوتِكَ)، فقد ذهب ابن جرير إلى أنّ المراد بلفظ (بِصَوتِكَ)؛ هو كلّ صوت يدعو إلى معصية الله -تعالى- ومن ذلك صوت الموسيقى، والمزامير، والرّبابة، ونحو ذلك.
- قول الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)، حيث قيل في معنى لفظ (لهو الحديث)؛ المزامير والمعازف.
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (نهَيتُ عن صَوتينِ أحمَقَينِ فاجرينِ: صوتٍ عندَ مصيبةِ خَمْشِ وجوهٍ، وشَقِّ جُيوبٍ، ورَنَّةِ شَيْطانٍ، وصوتٍ عندَ نَغَمةِ لعِبٍ ولَهْوٍ ومَزاميرِ شَيْطانٍ).
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِنَّ اللهَ حرمَ الخمرَ، والميسرَ، والكوبَةَ، وكلُّ مسْكِرٍ حرامٌ)، وقيل إنّ الكوبة هي الطبل.
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يشربُ ناسٌ من أمتي الخمرَ، يسمُّونها بغيرِ اسمِها، يُضرَبُ على رؤوسِهم بالمعازفِ والقَيْناتِ، يَخسِفُ اللهُ بهم الأرضَ، ويجعلُ اللهُ منهم القِرَدَةَ والخنازيرَ).
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المُشار إليه مسبقاً: (لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ).
- القول الثّاني: ذهب أصحاب هذا القول إلى جواز الاستماع للآلات الموسيقية والمعازف على اختلاف أنواعها حال اقترانها بالكلام الحسن الذي لا فحش فيه، وانتفاء اقترانها بشيء من المُحرّمات وما يدعو إليها، وممّن قال بذلك عبد الغني النابلسيّ، وابن حزم الظاهريّ، وقد استدلّ أصحاب هذا القول على ذلك بفعل بعض الصّحابة -رضوان الله عليهم- والتّابعين، ومن ذلك ما يأتي:
- إنّ عبد الله بن جعفر -رضيَ الله عنه- كان يسمع الغناء من جواريه على الأوتار وهو في زمن علي بن أبي طالب -رضيَ الله عنه-، كما رُوي ذلك أيضاً عن القاضي شريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشّعبي.
- إنّ عبد الله بن الزّبير -رضيَ الله عنه- كان له جواري يضربن على العود، فدخل عليه عبد الله بن عمر -رضيَ الله عنه- ورأى العود إلى جنبه فلم يُنكر عليه.
- ذكر الماوردي أنّ عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان -رضيَ الله عنهما- قد سمعا العود عند عبد الله بن جعفر -رضيَ الله عنه-.
- ذكر الأصبهاني أنّ حسّان بن ثابت -رضيَ الله عنه- قد سمع شعره وهو يُغنّى بالعود.