تعبير كتابي بمناسبة المولد الشريف (لطلاب الإعدادي)
ميلاد حامل رسالة الإسلام
ميلاد حامل رسالة الإسلام فأيّ يومٍ أعظم من اليوم الذي احتضن أولى أنفاس هادي البشرية محمد -عليه الصّلاة والسّلام-، أيُّ يوم أعظم من يوم أعلنت فيه الشّمس والكائنات رضوخهم لنبيّ سيبعثه الله سبحانه وتعالى هديّةً وبشرى للخلق، بل أي يومٍ أعظم من يوم شعر النّاس فيه بنسماتٍ هبّت تحمل البشر والخير من غير أن يكون على درايةٍ بأنّ هذا احتفال بقدوم خير البشريّة، بل أيّ يومٍ أعظم من يوم بعث الله فيه طيورًا من السّماء تحمل أحجارًا جهنّميّة لتكون عقابًا لكل معتدٍ فكّر بتدنيس مكة المكرمة، إنّه عامٌ أُطلق عليه اسم عام الفيل، هو عامٌ قد اختلطت نسماته بأنفاس حبيب الله وحبيبنا محمد -عليه الصّلاة والسّلام-.
إنّه اليوم الثّاني عشر من شهر ربيع الأول، يومٌ ترتقبه العيون بل القلوب بشوقٍ كبيرٍ لتعبِّر عن حبِّها وامتنانها لقدوم نبراس البشريّة الذي أضاء لهم طريق الحياة، وعلى الرُّغم من أنّ الاحتفال بهذا اليوم لم يرد عند الصّحابة والتّابعين، إلّا أنّ قداسة هذا اليوم والحب بالاحتفال فيه قد جاء من قداسة تلك الشّخصيّة العظيمة التي أرادها الله لنا نبيًّا وشفيعًا، فترى معالم البهجة والسُّرور قد علت في الطُّرقات والمنازل، وقد أخذت الجدات دور القيادة في هذا اليوم باعتبارهن بركة المنزل والأدرى بقصص الحبيب نسبةً لعمرهنّ الطّويل، ويُشم في هذا اليوم رائحة المخبوزات وأصناف الأطعمة الشّهيّة التي يتمُّ تبادلها ما بين الجيران، ليتمّ التّلذذ بها مساءً تحت قناديل قد صنع الآباء والأبناء كثيرًا منها وعلقوها، إيذانًا منهم بأنّ موعد الاحتفال بهذا اليوم قد اقترب، فتعمُّ السّعادة وتعلو الابتسامات والضّحكات الوجوه فرحًا بهذا اليوم.
هل هناك مناسبة أعظم من مناسبة ميلاد حامل رسالة الإسلام لنحتفي بها ونظهر فيها السُّرور والحبور؟ لا والله لا يوجد، فحقّ لهذا اليوم أن يزدان بكل تلك الزِّينة التي خصِّصت له وتلك الأهازيج التي ترتفع فيه عاليًا، وحقّ له أن يُسطّر في قلوبنا ويحفر في وجداننا فهو أعظم يومٍ مرّ على هذه البشرية، والحمد لله على نعمة الإسلام.
الراعي اليتيم وقصة نبوته
لقد أراد الله سبحانه وتعالى للحبيب المصطفى أن يعيش حياةً قاسيةً؛ فقد كان الله تعالى يعدّه ليكون نبيًّا، فقد حُرم -عليه السّلام- من حنان الأب ، فلم ينعم بالحنان في كنف أبيه ولم يعلم يومًا ما شعور الطِّفل حين ينطق كلمة أبي، وما إن كبر قليلًا في حضن والدته التي لم يملك غيرها حينذاك فلا إخوة له أو أبّ، حتّى شاء الله أن يتوفّى والدته ليغدو ابن الست سنوات يتيم الأمّ والأبّ تائهًا في هذه الحياة، فحزن جدُّه عبد المطلب لوفاة أمّه ويتمه فرعاه وحاول أن يعوضه فقد والديه اللذين رحلا عن هذه الدّنيا، وما هي إلّا فترة وجيزة حتّى أذن الله لروح جده عبد المطلب أن تصعد إلى السّماء، فذاق حبيبنا وسيدنا المصطفى اليتم للمرة الثّانية، فبقي وحيدًا يتجرّع آلام اليتم والفقد.
ضمّه أبو طالب -وهو عمّه- لأهل بيته علّه ينسيه ما قاساه من آلامٍ وأوجاعٍ وهو ما زال غضًا فتيًا، فكان يعطف عليه أكثر ما يعطف على أبنائه، ويوصي زوجته به بأن تحرص على تربيته وتحقيق رغباته على قدر المستطاع، وما يفتأ يذكِّرها بالآلام والأحزان التي تجرّعها ابن أخيه، ولكن كلُّ هذه الأمور كانت تحمل في طيّاتها الحكمة الرّبانيّة التي أرادها الله لنبيِّه المنتظر محمد -عليه الصّلاة والسّلام-، وفي هذه الأثناء طلب محمد -عليه الصّلاة والسّلام- من عمه أن يساعده في رعاية الأغنام؛ بغية أن يحمل عنه كتفًا في تأمين المصروف لأهل بيته، إضافة إلى أنّه أراد أن يخفف العبء عن كاهل عمه.
خرج -عليه السّلام- إلى صحراء مكّة راعيًا لغنم عمه، وقد كان هذا الأمر بابًا علّم النّبي الصّبر وطريقة التّعامل مع الكائنات الحيّة بلطف ورحمة، وكيف لا يكون لطيفًا رحيمًا وقد جُبل على أحسن الخلق والخُلق، ومضت الأيام وهو يترعرع في كنف عمه أبي طالب إلى أن أصبح شابًا قويًّا عفيفًا تتحدّث الأعراب بخلقه القويم وصدقه وأمانته، فاصطحبه عمه معه إلى بلاد الشّام، وما إن رآه أحد رهبان النّصارى حتّى حذره بأن يرجعه من حيث أتى به؛ لأنّ اليهود إن رأوه سيقتلونه لما في وجهه من علامات النُّبوة التي يعرفونها في كتبهم، فقفل أبو طالب راجعًا إلى مكة خائفًا على ابن أخيه من أن تطاله يد البغي والظلم .
لقد حُبب إلى النّبي -عليه السّلام- الخلاء في غار ثور ليتعبّد الله ويفكر في مغزى هذا الكون، وفي هذا الكهف قد أراد الله سبحانه وتعالى أن ينزل النّور على قلب الحبيب المصطفى ليكون هاديًا للبشريّة نبراسًا لها يضيءُ لهم طريق الخير والإيمان، وكان حينها قد بلغ الأربعين من عمره ولكن ما إن رأى جبريل متمثلًا أمامه، حتّى هرع لحضن خديجة -رضي الله عنها- وهو يقول لها دثّريني زمليني، فأيّ أمانٍ كان يجد النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- مع السّيدة خديجة حتّى لجأ إليها في لحظات خوفه وحزنه، لقد سُطرت قصة نبوة النّبي -محمد عليه السّلام- بمجلدات عظام وبحروف من ذهب، ولم تكن هذه الأحرف إلا لمحاتٍ عن تلك القصّة الشّريفة لسيد المرسلين.
مواقف في تضحية النبي وصبره
كان سيدنا محمد -عليه الصّلاة والسّلام- على قدر تلك المهمة التي أوكلها الله إليه، فحمل الأمانة وعمل على تبليغها بكل صدقٍ وإخلاصٍ وشجاعة، وكم من المواقف التي مرّ بها -عليه السّلام-، والتي يعجز عنها الجبابرة بل تخرِّ الجبال من عظمة هذا الأمر وجلله، إلّا أنّه بقي ثابتًا صابرًا محتسبًا عند الله تعالى، فكان هو أوّل من ذاق ظلم كفار قريش عندما أعلن دعوته، فطلّقوا له ابنتيه فنظر لهما نظرة الأبِّ الرّحيم الذي لا يملك شيئًا لفلذة كبده، فهو محمّلٌ بأمانةٍ وعليه تبليغها، ونعتوه بالكذب والسّحر بعد أن كان يضرب فيه مثالًا بالصّدق والأمانة، إلّا أنّ محاربتهم للدّين الإسلامي وتعجرفهم قد أعمى أبصارهم.
مهما نسينا من سيرة الحبيب إلّا أنّنا لن ننسى تلك الدّموع التي ذرفها في الطّائف والتي اختلطت بدمائه بعد أن ضربه سفهاء أهل الطّائف بالحجارة، فوقف مستندًا إلى جدار البستان رافعًا أكفّه لربّه لن يتخلى عنه ويناجيه قائلًا: "اللهُمَّ إليكَ أشكو ضعفَ قوَّتي وقلةَ حيلتي وهواني على الناسِ، أرحمُ الراحمينَ أنتَ ؛ ارحمْني، إلى منْ تكلُني؟ إلى عدوٍ يتجَهَّمُني، أمْ إلى قريبٍ ملَّكتَهُ أمري؟ إن لمْ تكنْ غضبانًا عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هي أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الذي أشرقتْ لهُ الظُّلُماتُ وصلُحَ عليهِ أمرُ الدنيا والآخرةِ أن تُنزلَ بيَ غضبَكَ أو تُحلَّ عليَّ سخطَكَ، لكَ العُتْبى حتى تَرضَى ولا حولَ ولا قوةَ إلا بكِ"، ولكنه لم يكن شاكيًا وإنّما كان صابرًا لاجئًا لجبروت الله.
وهل سننسى تلك الدموع الشّريفة التي ذرفها النّبي -عليه السّلام- وهو يقف على أطراف مكّة بعد أن أخرجه كفار قريش منها، فوقف مودِّعًا إياها قائلًا لها: "واللهِ إنَّكِ لَخيرُ أرْضِ اللهِ، وأحَبُّ أرْضِ اللهِ إليَّ، ولوْلَا أنِّي أُخرِجْتُ مِنْكِ ما خَرجْتُ"، أيّ تضحية عظيمةٍ تلك التي قدّمتها في سبيل الله يا حبيبي يا رسول الله، نعاهدك الله أنّنا لن ننسى بما قمت به أنّنا سنشهد أمام الله بأنّك قد أدّيت الرّسالة على أحسن وجه، فعليك أفضل الصلوات.
إنّ حسن خلق النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- الذي اتّسم به والتّضحيات التي بذلها في سبيل إيصال الدّعوة الإسلاميّة قد فكّ عقدة لسان الشُّعراء، فتراهم يتنافسون في تتويج أشعارهم وأبياتهم بوصف النّبي، فتكون تلك الكلمات كالدُّر المنثور بين بقيّة قصائدهم وأبياتهم، ومن الشّعراء الذين برعوا وأبدعوا واختطوا أجمل الأبيات في وصف الحبيب المصطفى، الشّاعر أحمد شوقي الذي قال:
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ
:::وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَه
:::لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي
:::وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا
:::بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ
مواقف في صدق النبي وأمانته
لقد عُرف عليه الصلاة والسلام في قومه بلقب الصّادق الأمين، وقد سمعت بأخلاقه الحميدة تلك خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- والتي عرضت عليه بعد ذلك الزّواج وكانت حينها من أغنى نساء قريش، وتمّ هذا الزّواج الميمون، فكيف يمكن لكفار قريش أن ينعتوه بالكاذب والمجنون بعد هذه الأخلاق التي عُرف بها وهم يعلمون بكذب لسانهم عنه، وعلى الرُّغم من ذلك كانوا يستأمنوه على أموالهم، ترى ما رأيكم برجلٍ أخذ القوم ماله وبيته ووصفوه بالكاذب والسّاحر والمجنون وقد ائتمروا لقتله وإهدار دمه، ماذا هو فاعلٌ هو بتلك الأموال أيردها لهم قبل مغادرة أرضه، أم يأخذها وتكون هذه الأموال بأمواله المسلوبة، ولكن لم تكن تلك الأخلاق بأخلاق نبيِّ الأمّة يومًا.
نعم إنّه الرّسول الأمين إنّه محمد بن عبد الله النّبي الصّادق، فقد أوصى علي بن أبي طالب بعد أن أبقاه في فراشه ليلة خروجه من مكة بأن يعيد فجرًا كلّ الأمانات إلى أهلها من غير أن تنقص شيئًا، وما هذا إلّا غيضٌ من فيضٍ من قصص صدقه وأمانته، وقد كان صادقًا حتّى في دعابته وفكاهته، فها هي إحدى العجائز تسعى مهرولةً للنّبي -عليه السّلام-؛ لتسأله أتدخل الجنّة، فيخبرها -عليه السّلام- مداعبًا لها بأنّ العجائز لا تدخل الجنّة، فما كان منها إلّا أن تنحّت نادبةً حظها العاثر باكيةً على عدم دخولها الجنّة، فتبسم ليقول لها إنّه لا عجائز في الجنّة، إذ إنّ الله سيجعلك شابّةً هناك.
عليك أفضل الصّلوات يا حبيبي يا رسول الله يا من كرهت الكذب وحتّى إن كان بغرض المزاح، ودائمًا ما كنت تعنف كلُّ من كذب ظانًا المزاح في كلمه، عليك أفضل الصّلوات والسّلام يا حبيبي يا رسول الله يا من أدّيت الرِّسالة تلك الأمانة العظيمة التي وضعها الله على كاهلك، لقد كان لهذه الأحرف والكلمات القليلة الشّرف العظيم في سبك بعض الصّفات القليلة من صفات سيد المرسلين.
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن المولد النبوي الشريف .