الفرق بين الواقعية النقدية والاشتراكية
يتضح الفرق بين الواقعية النقدية (الطبيعة) والواقعية الاشتراكية (الجديدة) فيما يأتي:
طريقة التصوير
تصوّر الواقعية الطبيعية العالم من وجهة نظر عقلانية ماديّة فقط وتبتعد عن المثاليّة والثقة الكامل ة في العلم الطبيعي والمادي والوضعي، ولم تكتف الواقعية الأولى بكل ذلك بل أخذت تهاجم جميع الأديانَ وتسخر منها.
فهي ترى أن الدين عندها مانع وعائق أمام التقدم، ويرى أصحاب الواقعية النقدية أيضًا أن الجنس هو المحرك العميق والدافع وراء سلوك الإنسان، كما يرون أن للبيئة دورًا مهمًّا في تكوين سلوك الإنسان إضافة إلى الوراثة فهي المسؤولة عن تكوين السلوكيات والطبائع، ويرى (زولا) أن الأدب الواقعي هو الذي يصوّر الواقع الثابت ويُشخص أمراض الجماعة ويكشف عن العلل الكامنة وراء الظواهر التي تخضع لسلطان العلم.
في حين ترى الواقعية الاشتراكية المجتمع من خلال الاتجاه ا لماركسي فمجتمع النظام الاشتراكي أو الماركسي في صراع دائم بين طبقاته المختلفة والاتجاه الماركسي في حد ذاته يقوم على التأثير والتأثر والناتج منهما.
لا تكتفي الواقعية الاشتراكية بالتصوير فحسب بل لا بد إضافة إليه من التحليل واستنباط العوامل الفاعلة في رسم المستقبل وتطوره وتقدمه، ومن هنا تبرز وتتضح لُب رسالة الكاتب والأديب الاشتراكي وهدفه من نتاجه الأدبي وذلك من خلال إعلاء شأن الإرادة الإنسانية والتصميم والدعوة إلى النضال الجماعي الطبقي لتحديد مصير المجتمعات.
الموقف والاهتمام
لا تؤمن الواقعية النقدية بالحيادية مطلقًا، فالمواقف من وجهة نظرها يجب أن تكون صريحة وواضحة، وتهتم الواقعية النقدية بالتقدم على مستوى الطبقات المادية في المجتمع كما ته تم ب الديموقراطية وتدع و إلى محاربة الفساد والظلم والانهيار والانحطاط الأخلاقي في المجتمعات.
كما تُغالي الواقعية النقدية بالاهتمام في الواقع فهي ترى أن التعبير عن الواقع الطبيعي مهم إلى درجة الاهتمام بالأمور القبيحة والساذجة والوضيعة والألفاظ السوقية والبذيئة مدّعية أنّ ذلك من التصوير الحقيقي للواقع المُعاش بدون كذب أو مواربة وخداع وتنميق وتحسين صورة الواقع للقارئ.
من جانب آخر تنطلق الواقعية الاشتراكية من صُلب الواقع المادي من خلال فهمها العميق لهيكل المجتمع والعوامل المنتجة فيه والصراعات التي سينتج عنها التغيير، فقد كان الغرض من الواقعية الاشتراكية هو اقتصار الثقافة الشعبية على فصيل محدد ومنظم للغاية من التعابير العاطفية التي عليها أن تُعزز المُثل السوفيتية آنذاك، فهي تستغل الفنون الأدبية في نشر الماركسية.
تدعو الواقعية الاشتراكية إلى استخدام اللغة السهلة والمتداولة بين الناس؛ لأنها موجهة للجماهير المختلفة في المجتمع فلذلك يجب أن تكون قريبة من فهمهم في الوقت نفسه فهي ترى من الضروري وجود الأساليب الفنيّة كالقدرة اللغوية والقدرة الأسلوبية وجمال التصوير وقوة العاطفة للتعبير عن الأفكار، فهي ترى أن غاية الأدب لا تستدعي إغفال الحسّ والأداء الفني فالشكل والمضمون متكاملان عندها.
النظرة للمجتمع
ترى الواقعية النقدية (الطبيعية) أن المجتمع وحدة واحدة وكلّ متماسك في نفسه أي كجسد واحد يتكاتف أفراده في تحمل المسؤولية فيه سواء مسؤولية الفساد فيه أو مسؤولية الإصلاح فيه، و ترى الواقعية النقدية ضرورة انتصار القيم السامية كالعدل والحب والمساواة والحرية وتدعو إلى انتصار العلم فهي تنطلق من منهج عقلي.
هي من وجهة أخرى تدعو إلى التفاؤل في الأدب فلذلك ظهر المسرح العربي المتفائل وعلى إثره ظهر أيضًا نظيره المتشائم ودعا إلى استخدام الألفاظ البذيئة واللغة المكشوفة والتعابير الصريحة السوقية بحجة تعبيرها عن الواقع العام لكنه لم يلبث كثيرًا أمام المسرح المتفائل فسريعًا ما اختفى ظهوره.
في حين تدعو الواقعية الاشتراكية إلى التفاؤل ولكنها بشكل ما تؤمن أكثر بانتصار الإرادة الجماهيرية المجتمعية فهي القوة الضاغطة في أي مشكلة وفي كل زمان ومكان، والتي بدورها تسعى دومًا في طريق الحق والخير والسلام لتتمكن من إعادة بناء مجتمع جديد يخلو من أي ظلم أو أي حرب واعتداء.
ترى الواقعية الاشتراكية أيضًا أن الأديب لسان قومه ولسان حال مجتمعه بما يمتلك من وعي صائب وفكر فذّ وقيادة حكيمة تمكنه من التأثير في أفكار المجتمع العام وقناعاته وهو بذلك صاحب رسالة سامية بحيث تقصد الاتجاه مع المجتمع لبناء مستقبلٍ وواقعٍ أفضل.