الطبيعة الإنسانية في الفلسفة المثالية
الطبيعة الإنسانية في الفلسفة المثالية
إن مفهوم الطبيعة البشرية من المفاهيم التي تقوم عليها الفلسفة السياسية على مدار العصور، وللإجابة على سؤال لماذا السلطة ؟ يتطلب ذلك معرفة السمة التي تجعل من الإنسان بحاجة إلى جهة تحكمه، وتنظم شؤونه، والطبيعة البشرية في الفلسفة المثالية، هي مجموعة الصفات التي تؤهل كل فرد ليشغل مكانًا، أو موقعًا معينًا في الدولة، أو في مرحلة ما بعد العقد.
ومرحلة ما بعد العقد هي المرحلة النقيض للمرحلة الأولى، والتي يطلق عليها المرحلة الطبيعية، وفي هذه المرحلة يكون سلوك الإنسان عفويًا، لا يلتزم بمعايير معينة لضبطه، كما أن هذه المرحلة هي الأساس الذي سيحدد طبيعة السلطة وحدودها، وواجباتها، وحقوق المواطنين وواجباتهم، وأدوارهم، ويقال أن أفلاطون قال إذا أردت أن تعرف حقيقة شخص ما امنحه سلطة، وراقب سلوكه.
وبهذا يمكن معرفة إن كان خيرًا أم لا، وإن كان سيصلح للحكم، أم لا، والمدرسة المثالية في الفلسفة ، قدمت معظم آراؤها بناءً على اجتهادات وتأملات شخصية، أي أنها بعيدة عن الواقع، ولم تعتمد على نتائج العلوم الطبيعية والطبية، كما أنها تتميز بأنها من أقدم المدارس الفلسفية ، وأكثرها عراقةً.
الطبيعة البشرية في فلسفة سقراط
كان سقراط أستاذ أفلاطون، فقد استفاد من نظرياته، ورغم انعدام وجود كتب أكاديمية لسقراط، إلا أن معظم آراؤه دونها أفلاطون، وأهما المحاورات التي دونها أفلاطون، وهي بالأصل محاورات سقراط، فهي عبارة عن محادثات أجراها سقراط مع أصدقائه وتلاميذه، وتناول سقراط مفهوم الطبيعة البشرية، من خلال طرحه لفكرة الخير والشر، وهذا يندرج تحت مبحث الأخلاق.
إن الفضيلة الأسمى بالنسبة لسقراط هي المعرفة والبحث عنها، فالأخلاق لا يمكن أن تكون سابقة على العلم، وبذلك يمكن ملاحظة علاقة المعرفة بالأخلاق، فالطبيعة البشرية لا يمكن أن تجعل من الإنسان خلوقًا دون أن يكون عارفًا، ويقول سقراط في هذا الصدد: " إذا كان هدف السفسطائون أن يؤكد الإنسان نفسه، من خلال وصايام أكد نفسك، وافرض نفسك، فإنني أقول لشباب أثينا اعرف نفسك".
بهذه الوصية يدعو سقراط إلى أن تكون معرفة الإنسان لذاته تتجاوز كل ما هو سطحي، فيعرف أنه قد يكون ذو معرفة محدودة، فعليه أن يعرف جهله، ويعترف بمحدودية معرفته، فباعالم يقوّم سلوكه، ويضبط ردود أفعاله، ويلاحظ مدى تركيز سقراط على مفاهيم مثل المعرفة والفضيلة والخير الأسمى، وكأنه شيدًا فكره حول الطبيعة البشرية من خلالها.
فبالنسبة لسقراط الإنسان لا يمكن أن يخطئ إلا عن جهل، فالجهل رذيلة حسب التعريف السقراطي له، ومن المستحيل أن يكون الإنسان عرف الفضيلة وتعلم ثم أن يخطئ، ولكن هذه النظرية حول طبيعة أخطاء الإنسان وجهت لها انتقادات حادة، فنفس الإنسان بطبيعتها معرض لأن تخطئ حتى وإن كانت ملمة بالمعرفة.
الطبيعة البشرية في فلسفة أفلاطون
يمكن القول أن أساس فلسفة أفلاطون المثالية بني على نظرته للنفس البشرية وطبيعتها، ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية:
- أولًا: توصل أفلاطون أن النفس لم تعرف من الحق إلا عندما كانت مفارقة للجسد في عالم آخر يسمى عالم المثل، لذلك فإن فلسفته تقدم كل ما هو روحي على ما هو مادي.
- ثانيًا: إن الطبيعة البشرية ليست واحدة للجميع، فهي تختلف بناءً على الفروقات الفردية بين الناس، لذلك نلاحظ وجود تباين في سلوك الأفراد في حال وصولهم إلى السلطة، وقد عارض أفلاطون رأي السفسطائيين الذي يقضي بأن الغلبة لذوي القوة، وبنظرية المعرفة التي قامت على الذاتية، فقد هدموا الأخلاق ولم يعد هنالك مقياس واضح للطبيعة البشرية، فكل شيء نسبي بنظرهم.
- ثالثًا: قسم أفلاطون النفس البشرية، وجعل لكل نفس فضيلة تميزها علن غيرها، وكنتيجة طبق هذا التقسيم على الدولة، ووضح ذلك من خلال جمهوريته، ويمكن التوضيح أكثر من خلال الجدول التالي:
الفئة | النفس/ الطبيعة التي تميزها عن غيرها | فضيلتها |
الحكام، ويجب أن يكونوا فلاسفة | النفس العاقلة: وهي أعلى مراحل النفس وأسماها، ولا يصلها إلا من كان عالمًا بالرياضيات والهندسة ومتأملًا، وبذل جهدًا للوصول إليها. | الحكمة |
الجنود والحراس والعساكر | النفس الغضبية: ويحب عليها أن تلتزم بالموكل إليها دون تجاوزها. | الشجاعة |
عامة الناس: وهم أرباب الحرف والصنائع والعمال الذين يبذلون جهدًا عضليا وفيزيائيًا. | النفس الشهوانية: وتقع في أول التسلسل الهرمي، والعدالة هي الفضيلة الرابعة التي تقضي بضبط فضائل النفوس. | العفة |