الدولة البيزنطية
الدولة البيزنطية
تتسّم الدولة البيزنطية بأنَّها القوة التي استمرت لمدة طويلة جدًا خلال العصور الوسطى، وما زالت آثارها تظهر لغاية الآن، ويظهر ذلك جليًا في ما تركته هذه القوة من آثار تخصّ الدين، والفنون، و العمارة ، والقوانين في عدد كبير من الدول الغربية، وفي أوروبا الشرقية، وأوروبا الوسطى، وروسيا.
ورغم القوة التي تميّزت بها القوة الرومانية، إلا أنّها ومع حلول ثلاثينيات القرن الماضي لم يعد بإمكان الحضارة الرومانية السيطرة على حدودها المنتشرة في المواقع التي استوطنتها، وذلك بعد أن ظهرت الدولة البيزنطية، وتولى القائد قسطنطين زِمام الأمور، وهكذا قُسّمت الإمبراطورية الرومانية شرقًا وغربًا، وأخذت الدولة البيزنطية الجزء الشرقي، وبقيت فيه على مدى 1000 عام، إذ بقيت هذه الحضارة مستمرة دون انقطاع من العصور القديمة وصولًا للعصر الحديث، وقد كانت عاصمة الدولة البيزنطية القسطنطينية التي تُسمّى في الوقت الحالي إسطنبول وموقعها في تركيا.
خلال فترة حكم الدولة البيزنطية استلم الحكم قائدين بيزنطيين خلال فترتين مختلفتين، إذ استلم الإمبراطور قسطنطين في عام 306 للميلاد، وحال وصوله إلى الدولة غير اسم العاصمة بيزنطة إلى القسطنطينية ، واستمرّت فترة حكمه لمدة 30 عامًا، وفي عهده ازدهرت الإمبراطورية، وأصبحت أكثر قوة، وممّا يجدر ذِكره أنّ الإمبراطور قسطنطين اعتنق الديانة المسيحية التي بقيت ديانة الإمبراطورية الرسمية على مدى 1000 عام.
أمّا القائد جستنيان الذي أصبح إمبراطورًا في عام 527 م، فقد وصلت الإمبراطورية في عهده ذروة قوتها، وامتلكت الأراضي، وزادت ثروتها، إذ سعى الإمبراطور جستنيان إلى الإصلاح، خاصةً الإصلاحات المتعلقة بالقانون، ودُوّنت هذه القوانين في عدد كبير من الوثائق، ولاحقًا جُمعّت هذه القوانين، وأُعيد كتابتها في كتابٍ سُمّي مجموعة القانون المدني، ومنح الإمبراطور المرأة حق امتلاك وشراء الأراضي، وشجّع عدد من النشاطات ك الفنون ، والموسيقى، وطوّر الطرق، والجسور، والقنوات، وبنى كنيسة آيا صوفيا.
مميزات الدولة البيزنطية
اتسمّت الدولة البيزنطية بعدد من المميزات، وفي ما يأتي توضيح لبعض هذه المميزات:
- التنوع الثقافي، تميّزت الدولة البيزنطية بتنوعّها الثقافي، إذ تأثرت الدولة بعدد من الثقافات، ومنها الثقافة اللاتينية، والقبطية، والفارسية، والأرمنية، وفضلًا عن ذلك تأثرت الدولة بالثقافة الإسلامية، وبسبب هذا التأثر كانت مدينة القسطنطينية متنوعة ثقافيًا بصورة كبيرة.
- الترفيه البيزنطي، كانت الحياة في الدولة البيزنطية لا تخلو من الترفيه، ومن ضمن أساليب الترفيه الشائعة في ذاك الوقت رياضة سباق العربات التي اشتُهرت في الحضارة اليونانية والرومانية، إذ كانوا يُقسّمون أنفسهم إلى فرق ويتنافسون من أجل الفوز، فضلًا عن ذلك كانت رياضة البولو أحد الأساليب الترفيهية في ذاك الوقت.
- الحياة اليومية في الإمبراطورية البيزنطية، لم تختلف الحياة اليومية للإمبراطورية البيزنطية عن غيرها من الدول في ذاك الوقت، إذ كانت حياة الفرد الاجتماعية واليومية مرتبطة بوالديه، وبحالتهم الاجتماعية، إلا أنّه يمكن للمرء التقدّم وتطوير نفسه بناءً على اكتسابه للعلم، أو الحصول على ثروة مالية، أو اكتسابه للدعم من الأشخاص ذوي القوة والنفوذ.
- اللغة اليونانية البيزنطية، إنّ اللغة البيزنطية هي أسلوب قديم من اللغة اليونانية التي كانت تُستخدم كلغة للإدارة، والكتابة خلال فترة حكم الإمبراطورية البيزنطية، واستمرّ استخدامها لِحين وقوع القسطنطينية تحت حكم الأتراك في عام 1453م.
- الفترة الذهبية، شكلّت الفترة الممتدة ما بين عام 641 إلى عام 1025م أوج الفترة الذهبية للإمبراطورية البيزنطية، إذ تقدّمت الدولة عسكريًا، ودينيًا، وبدأ الاهتمام بالفنون في هذه الفترة ممّا منحها قوة عظمى في فترة العصور الوسطى، وسَعَت الدولة في ذاك الوقت إلى التركيز على التجارة وتوسيع الثروة، واسترّدت القصور والكنائس، وحرّصت على دراسة التاريخ واللغة اليونانية، ومع هذا الازدهار أصبح الحكام البيزنطيون أكثر حكمة ومهارة إذ وطدوا العلاقات مع الدول المجاورة لهم للِحفاظ على السلام، والتجارة في ما بينهم، وبهذا أصبح الاقتصاد البيزنطي الأكثر قوة في أوروبا في ذاك الوقت، وكان التُّجار يجلبون الحرير والتوابل والمجوهرات للقسطنطينية من بلاد فارس والهند والصين. وممّا يجدر ذِكره أنّ الفن البيزنطي كان جلّ تركيزه على الدين.
ملخص: تميزّت الدولة البيزنطية بعدة أمور جعلتها من أقوى الحضارات وأطولها، وبما في ذلك التنوّع في الثقافة، والترفيه، واللغة البيزنطية، والفترة الذهبية لها.
أبرز إنجازات الدولة البيزنطية
- الإرث، سعّت الدولة البيزنطية للمحافظة على إرث الحضارة اليونانية الرومانية القديمة، إذ مزجت الدولة البيزنطية ما بين معتقدات الديانة المسيحية واليونانية، وما بين العلوم والآداب بين الدولتين، وبسبب انهيار الدولة الرومانية وضياع مكتباتها ووثائقها سعت الدولة البيزنطية للمحافظة على المعرفة والمعلومات ومن أهمّها القانون الذي وضعه جستنيان، فضلًا عن ذلك حرصت الدولة على نشر ثقافتها وإرثها عبر العالم، وقد كان للإرث البيزنطي تأثير واضح على الحضارات الأخرى بما في ذلك العمارة البيزنطية التي ظهرت في بناء آيا صوفيا ، والفنون البيزنطية التي تأثر بها الفنانون في عصر النهضة في إيطاليا، ومع الوقت أصبحت الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية التي أسستها الإمبراطورية البيزنطية ثاني أكبر كنيسة في العالم.
- العمران، تميّزت الدولة البيزنطية بعمرانها، إذ كان العِمران البيزنطي يستند إلى الفنون الهندسية في روما العائدة للحضارة الرومانية، وبهذا فقد حافظت الإمبراطورية على آثار الحضارة الرومانية، ووُصِفت كنيسة آيا صوفيا بأنّها أعظم بناء معماري في الإمبراطورية البيزنطية، فضلًا عن ذلك كانت أغلب المباني التي بُنيت في عهد جستنيان الأول مربعة وعلى شكل قبة واتسمت بأنّها ذات هيكل معقد البناء، ومن أفضل وأهم المباني التي تركتها الإمبراطورية جسر سنغاريوس.
- الاقتصاد ، ممّا يجدر ذِكره أنّ الإدارة في الدولة البيزنطية كانت فاسدة، إلا أنّ ذلك لم يؤثر على اقتصاد الدولة، إذ كانت تُحصّل الضرائب ، وأصبح فقر الفلاحين أقلّ من العصور السابقة، ولم تُفلس الدولة بتاتًا، وكان اقتصاد بيزنطة الشرقية أفضل من اقتصاد بيزنطة الغربية، وقد ساعد هذه الاقتصاد في بناء نظام اقتصادي دولي.
- السياسة ، اتجّهت الإمبراطورية البيزنطية نحو القوانين التي ورثتها من الدولة الرومانية، والتي جعلتها قادرة على تنظيم شؤون الدولة القانونية والسياسية، وقد كان لِثيودوسيوس دورًا أساسيًا في المحافظة على استقرار سياسة الإمبراطورية من خلال منحه بعض الامتيازات للبرابرة، فضلًا عن ذلك كانت السياسة قائمة على الموازنة ما بين الجيش والبيروقراطية .
- الطب والعلوم، كان للطب والعلوم أهمية خاصة لدى الدولة البيزنطية إذ قُدّم مفهوم المستشفى من خلال الطب البيزنطي، وسعّت الإمبراطورية لإنشاء الكتب التي تضمّ المعارف الطبية، واعتمدت الدولة على معرفة اليونان الرومانية بعلوم الطب، فضلًا عن ذلك ومن أجل معرفة أوقات الصلاة درست الدولة البيزنطية علوم الشمس والقمر.
- التعليم، انتشر محو الأمية في أوروبا الغربية نظرًا لِسهولة الوصول إلى التعليم الابتدائي، وكانت نسبة القادرين على القراءة والكتابة في ذاك الوقت تُقدّر بِ 30%، وممّا يجدر ذِكره أنّ التعليم أُتيح لِكلا الجنسين، وقد ساعد التعليم في المحافظة على استقرار الإمبراطورية وبقائها.
كان للدولة البيزنطية إنجازات كبيرة ما زالت آثارها تظهر لهذا الوقت، ومن أهمّها العمران، والطب، والتعليم، والعلوم، والمحافظة على الإرث، والسياسة المحنّكة، والاقتصاد الناجح.
سقوط الدولة البيزنطية
كانت الدولة البيزنطية لمدة طويلة تُشكّل حاجزًا ما بين أوروبا وآسيا، إلا أنّه عندما عبر الصليبيون الأوروبيون قسطنطينية بهدف محاربة المسلمين في الديار المقدسة اشتدّ التوتر ما بين المسيحيين الغربيين والشرقيين، ونتج عن ذلك نهب الصليبيون للقسطنطينية في عام 1204م، ومع الوقت أصبحت عدد من الأراضي البيزنطية تحت سيطرة الصليبيين، ومع الوقت ضعفت الدولة البيزنطية، وسقطت في يد الحكم العثماني في عام 1453م، وممّا يجدر ذِكره أنّ الحكم الروماني أثر على أوروبا على مدى 2000 عام منذ بداية الجمهورية الرومانية وحتى سقوط الإمبراطورية البيزنطية.
الخلاصة
كانت الفترة التي حكمت فيها الإمبراطورية البيزنطية الفترة الأطول على الإطلاق بين الحضارات في العالم، وقد كان للدولة البيزنطية مكانة وأهمية جعلتها من أقوى الحضارات، وكانت عاصمتها القسطنطينية التي تقع في تركيا في الوقت الحالي، وسعت الإمبراطورية للحِفاظ على إرث الحضارة الرومانية من خلال الاعتماد على عدد كبير من موروثاتها.