ابن رشد
ابن رشد
ابنُ رُشد هو الحافظُ الجليلُ، والحكيمُ الفقيهُ محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد رُشد، المُلقَّبُ بأبي الوليد، والمشهورُ باسمِ الحفيد؛ لتمييزِه عن جدّه أبي الوليد محمد بنِ أحمدَ، كما يُلقِّبه البعضُ بالقاضي، وفيلسوفِ الوقت، وُلِد في عام 1126م/ 520هـ في مدينةِ قُرطبةَ، والتي كانت آنذاك ملتقى العلماءِ، والمُفكِّرين وعاصمةَ العلمِ؛ فكان لذلك أثرٌ كبيرٌ في نشأة ابنِ رُشد، وتحصيلِه لكَمٍّ كبيرٍ من العلومِ والمعرفةِ.
نشأة ابن رشد
نشأ ابن رشد في بيت كان أفراده من القضاة والفقهاء، فقد نشأ في أسرة من أكبر الأسر وأشهرها في الأندلس، فكان هو وأبوه وجده من قضاة قرطبة، أما أجداده فقد كانوا من أئمة المذهب المالكي، فقد كان جده محمد بن رشد عالمًا وفقيهًا وله العديد من الفتاوى والمباحث الفلسفية والشرعية، وقد ورث ابن رشد من جده الكثير، أما والده فقد كان قاضيًا، ولا يتوفر معلومات كثيرة عنه سوى أنه أحسن تربية ابنه وتوجيهه وتهذيبه.
حياة ابن رشد العلمية
درس ابن رشد كلًا من؛ الفقه، والطب، والرياضيات، والفلسفة، وقد تلقى العلم من مجموعة من كبار علماء عصره، الذي كان يجتمع معهم في قصر خلفاء الموحدين، فقد تلقى الفقه من عدد من الأئمة في عهده، أما الطب، فقد تعلمه على يد أبي جعفر بن هارون، ويُقال أنه أخذ الفلسفة عن ابن باجة، كما اختلط بأشهر وأفضل أهل العلم، فكان بينه وبين آل زهر المعروفين بالعلم والفضل والأدب في الأندلس علاقة مودة كبيرة ومنهم؛ طبيب الخليفة أبو بكر بن زهر، فساهم ذلك في نهله العلم واتساع آفاق المعرفة لديه.
كما درس ابن رشد الشريعة الإسلامية على طريقة الأشعرية، ودرس الفقه على مذهب الإمام مالك، لذلك كان هناك شبه كبير بين آرائه الفقهية والشرعية وبين أفكاره الفلسفية، فقد كان للطريقة التي تلقى فيها العلم في الفقه والمذهب الذي اتبعه أثر في أفكاره الفلسفية.
حياة ابن رشد العملية
بدأ ابن رشد حياته العملية بتأليف الكتب في الفلسفة والفلك والطب وغيرها، ومن ثم تولى منصبًا في القضاء في إشبيلية، وقد تمتع بمكانة عالية في عهد الخليفة المنصور، فكان يجالس الخليفة، ويتحدث معه في العلم والفلسفة، إلا أن بعض الفقهاء في عهده وشوا به عند الخليفة لزعمهم بأنهم وجدوا في إحدى تلاخيصه الفلسفية أنه نقل عن أحد الفلاسفة أن الزهرة هي أحد الآلهة.
فما كان من الخليفة سوى أن نفاه إلى بلدة اليسانة قرب قرطبة لمخالفة بعض أفكاره للشريعة الإسلامية، ونفي معه فلاسفة آخرون، وأمر الخليفة بالابتعاد عن دراسة الفلسفة وحرق كتب الفلاسفة، إلا أنه بعد فترة من الزمن عفى عنه الخليفة واستدعاه إلى مراكش، إلا أن ابن رشد لم يعش طويلًا بعدها، فعمل تلامذته على إقناع الناس بأن ابن رشد لم يخالف في أفكاره الشريعة الإسلامية، وإنما ساهم علو منزلته في السلطة في اضطهاده.
إنجازات ابن رشد
لابن رشد العديد من الإنجازات في الفلسفة والطب والفلك ، وفيما يأتي تفصيل حول كل منها:
الفلسفة
اشتهر ابن رشد بالنقد الفلسفي الدال على عبقرية وذكاء كبيرين، وقد درس فلسفة ابن سينا وأرسطو والفارابي والكندي وغيرهم، ولم يدّع تأليف علم جديد في الفلسفة، وإنما اكتفى بشرح كتب أرسطو الفلسفية، ففاق غيره من العلماء في دقة النقد، والغوص في جميع جنبات مؤلفات أرسطو، فشرحها شرحًا وافيًا، وكان له الأثر الكبير في فلاسفة الغرب.
الطب
كان لابن رشد مساهمات عديدة في الطب، فقد كان لكتابه الشهير "الكليات في الطب" أثر كبير في هذا المجال، إذ تكون الكتاب من 7 كتب فرعية تتعلق بالتشريح، وعلم وظائف الأعضاء، وعلم الأمراض، وعلم العقاقير، وعلم الأعراض، والتعقيم، والعلاجات، فألقى فيه الضوء على جوانب مختلفة من الطب، وقدم ملاحظات طبية ذات أثر كبير في التشخيص والعلاج والوقاية من الأمراض.
الفلك
اكتشف ابن رشد خلال أبحاثه الفلكية في المغرب نجمًا لم يرصد من قبل، كما أنه وضع ملاحظات حول أن القمر جسم معتم وغامض، وتختلف أجزاؤه فيما بينها بالسمك، فالأكثر سمكًا كانت تتلقى كميات أكبر من ضوء الشمس خلافًا للأجزاء الأقل سمكًا، كما قدم ملاحظات مهمة حول البقع الشمسية، وكان ذلك في عمر الـ25 عامًا.
أهم مؤلفات ابن رشد
تمكّنَ ابنُ رُشد من تأليفِ عددٍ كبيرٍ من الكُتبٍ، منها ما هو في الفلسفةِ، والطبِّ، والفلكِ، والفقهِ، وعلمِ الكلامِ، والنحوِ، وفيما يأتي أبرز مؤلفات ابن رشد :
- كتابُ فصلِ المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتِّصال.
- كتابُ الكُلّيات في الطبّ.
- كتابُ مناهج الأدلّة في عقائد المِلّة.
- كتابُ بداية المُجتهِد ونهاية المُقتصِد.
- كتابُ تهافُت التهافُت .
وفاة ابن رُشد
بعد أن انتقلَ ابنُ رُشد إلى مرّاكشَ بقِيَ فيها نحوَ سنة واحدةٍ، ثمّ فارقَ الحياةَ، ووافته المنيّةُ في ليلةِ الخميسِ الموافقِ 10 من شهرِ كانون الأوّل/ديسمبر من عامِ 1198م/ 595هـ، إلّا أنّه لم يُدفَن في مرّاكشَ؛ فقد نُقِل جثمانُه إلى الأندلسِ؛ ليُدفَن في قُرطبةَ، وبوفاتِه -رحمَه اللهُ- تكونُ الفلسفةُ العربيّةُ الإسلاميّةُ فقدت أهمّ وأشهرَ أعلامِها حتى يومِنا هذا.