نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني
مفهوم نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني
يقصد عبد القاهر الجرجاني بدراسته لنظرية النظم، هو أن يضع المتحدث كلامه في الوضع الذي يقتضيه التركيب المناسب له، فهو توخي علم النحو في الكلام المنطوق والمكتوب فلا يزيغ الفصيح عنه، حتى يعمل على قوانينه وأصوله، بل هو الالتزام التام بمواضع الكلمات حتى تقدم دلالاتها المناسبة في السياق.
وعليه فتعد النظرية منهجا يسعى نحو ربط الكلام بعضه ببعض، فإن المغزى الذي يسعى إليه الجرجاني هو تأليف الكلام وفقا لأبواب النحو المختلفة والالتزام بها، الأمر الذي من شأنه يعزز قيمة تركيب الجملة من خلال مراعاة الروابط بين الجمل، وفي التعريف الذي قدمه ابن قتيبة عن النظم فقد أشار إلى أنها سبك للألفاظ، وضمها إلى بعض في نظام يتآلف فيه اللفظ مع المعنى.
نشأة نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني
لم يكن الجرجاني أول شخص تحدث عن نظرية النظم في الكلام؛ فهناك من أشار إليها ولكن ليس كنظرية مستقلة، فإننا نلمس في القدماء اليونان حديثهم وتركيزهم على هذا الجانب؛ فقد عالجوه كغيره من الثقافات، ودليل ذلك أن أرسطو ذكر النظم في المقالة الثالثة من كتابه (الخطابة) من خلال حديثه عن روابط الجمل والوصل والتكرار.
وهناك الهنود أيضا تناولوا النظم في دراستهم، كما وضح ذلك الجاحظ في كتابه: (البيان والتبيين) وغيرهم العديد من الأشخاص.[3]
لقد انتهت هذه الجهود البلاغية إلى عبد القاهر الجرجاني، الذي أشار إلى أن النظم بوصفه أسلوبا متينا كان واضحا في القرآن الكريم؛ فقد سلط الضوء على أهمية النظم، وتأثيره في فصاحة الكلام، ليتحدث عن إعجاز القرآن وبلاغة التركيب فيه؛ فقد لخص أمرين مهمين تجاه فكرة النظم وهما كالآتي:
- عجز العرب حين تحداهم القرآن على معارضته، والإتيان بمثله.
- إن هذا العجز مرتبط بأحوال الشعراء، والبلغاء؛ لما لهم من براعة ورصانة في القول.
تطبيقات نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني
وضح الجرجاني أقسام نظرية النظم، من فعل واسم وحرف، فقد ذكر المبتدأ والخبر بما يكونان عليه من صور عديدة في التقديم والتأخير؛ فقد أشار موضحا أن الخبر قد يأتي فعلا مضارعا أو فعلا ماضيا، أو معرفا أو نكرة، ولكل منهم موضعه الخاص به، بل قد يتقدم الخبر على المبتدأ ، أو قد يتأخر، أو يقع فاصل بينهما.
وفي الشرط والجزاء تتعدد الطرق، ففي قولنا: (إن تخرجْ أخرجْ)، و (إن خرجتَ خرجتُ)، و(إن تخرجْ فأنا خارجْ)، وصولا إلى الحال حينما نقول: (جاءني زيد مسرعا)، و(جاءني يسرع)، و(جاءني وهو مسرع أو وهو يسرع)، و(جاءني قد أسرع)، فقد ركز في دراسته أن لكل قول موضعه، واستخدامه المناسب للتركيب والموافق للمعنى المراد تقديمه، والأمر مرتبط في الحروف واستخدامها، والجمل من ناحية كيفية وضع الفواصل بينها.