نشأة علم النفس الاجتماعي
نشأة علم النفس الاجتماعي
نشأ علم النفس الاجتماعي لمعرفة كيف يتصرف الناس، أو يشعرون ضمن مجتمعهم؛ بمعنى أن سلوكيات الناس وأفكارهم ومشاعرهم تتأثر وتتغير بتغير من حولهم، نشأ تحديدًا في أواخر القرن 1800م؛ حيث أشار أفلاطون إلى فكرة رأي الجماعة في قوله: (يميل الناس بشكل طبيعي إلى اتخاذ نفس رأي الآخرين عندما يكونون بحضور الجماعة).
كتب لازورس وستينثال في عام 1860م عن تأثير الإنجليز على الأوروبيين ، وبعدها ظهر علم النفس الاجتماعي العرقي الذي يدرس كيفية تأثير الثقافة واللغة والظواهر ذات الصلة للمجموعات العرقية، والتي ركزت على أن شخصية الفرد تتطور متأثرة بالثقافة والسلوكيات في مجتمعه، بالأخص اللغة والتي هي نتاج للاجتماع المجتمعي.
تطور علم النفس الاجتماعي
فيما يأتي ذكر لأبرز محطات تطور علم النفس الاجتماعي:
فترة الأربعينات والخمسينات
خلال هذه الفترة صقل العالمان كيرت لِوين وليون فستنجر النهج التجريبي لدراسة السلوك وجعلا علم النفس الاجتماعي فرعًا من فروع علم النفس، ويُعرف لوين بأنّه الأب لعلم النفس الاجتماعي؛ لأنّه أوجد العديد من الأفكار المهمة، ومنها نموذج التفاعل الديناميكي الذي يّركز على التطور الفردي للشخصية والسلوك بناء على التفاعل المستمر والمتبادل مع البيئة.
سافر العديد من علماء النفس وخاصة كيرت لوين، إلى الولايات المتحدة هربًا من النازية في ألمانيا، وكان لهم دور فعال في تطوير العلم كفرع منفصل عن المدارس السلوكية والتحليلية النفسية التي كانت سائدة وقتها.
تركزت الدراسات والأبحاث في علم النفس الاجتماعي على التصور والمعرفة، وكانت السلوكيات وظاهرة المجموعات الصغيرة هي الموضوعات الأكثر شيوعًا التي دُرست حينها.
عدّل العالم فيستنجر عام 1954م على كتاب طرق الأبحاث في علوم السلوكيات، حيث شدد هو وعلماء نفس آخرون على ضرورة قياس التغييرات، واستخدام المختبرات لإجراء اختبارات ممنهجة؛ لبحث الفرضيات عن السلوك المجتمعي، ونوّه أنّه يجب خداع المشاركين حول طبيعة البحث.
فترة الستينات والسبعينات
لم يُؤخذ علم النفس الاجتماعي بجدية إلا عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، وما شجع الباحثين على دراسته هو فهم كيف أن الدكتاتور الألماني أدولف هتلر استطاع كسب الطاعة العمياء من قبل اتباعه خلال الحرب العالمية الثانية، وما فعلوه من أعمال مروعة وشنيعة.
قام موزافير شريف وسلومون آش بدراسة الطاعة أو الانقياد للأوامر، وأظهرت هذه الدراسات أهمية الضغط المجتمعي على الانقياد، وكيف أنّ الأشخاص ذوي السلطة يستطيعون أن يحصلوا على طاعة قوية جدًا، لدرجة تقود الأفراد على إحداث ضرر شديد على الآخرين.
بعد الحرب العالمية، أصبح الباحثون مهتمين في مختلف المشاكل الاجتماعية وفي عام 1960م كثُر الاهتمام في العديد من المواضيع مثل العدائية، والتنافر المعرفي أو إدراك المعلومات المتناقضة، وتوسع علم النفس الاجتماعي بسرعة لدراسة مواضيع أخرى، وطور جون دارلي وبيب لا تاني 1968م نموذجًا ساعد في تفسير متى يساعد الناس الأفراد المحتاجين.
كان ليونارد بيركويتز 1974م رائدًا في دراسة العدائية، وفي الفترة ذاتها، وركز علماء النفس الآخرون بما في ذلك إيرفينغ جانيس 1972م، على سلوك المجموعة، ودرسوا سبب اتخاذ الأذكياء أحيانًا قرارات تُؤدي إلى نتائج كارثية عندما عملوا معًا.
فترة الثمانينيات والتسعينيات
خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات وصل علم النفس الاجتماعي إلى مرحلة أقرب للاكتمال من حيث النظرية والطريقة؛ حيث أصبحت المعايير الأخلاقية للبحث منظمة وظهرت وجهات نظر تعددية وثقافية أكبر، واهتم الباحثون المعاصرون بمجموعة متنوعة من السلوكيات الحديثة ولعل أعظم مجالات التطور هي التصرفات و الإدراك الاجتماعي ومفهوم الذات.
فترة أواخر القرن العشرين
شهد علم النفس الاجتماعي توسعًا في مجال السلوك وبالأخص العمليات المعرفية، وهو مصطلح يُشير إلى العمليات التي يقوم بها العقل لاكتساب المعرفة، ومن هذه العمليات هي التفكير، والتخطيط، والتذكر، والحُكم، وحل المشكلات.
وفي هذه الفترة ابتكر العلماء أول نموذج رسمي للإقناع بهدف الوصول إلى فهم كيف يُمكن لصانعي الإعلانات والآخرين إيصال رسالاتهم بفعالية أكثر.
فترة القرن الواحد والعشرين
شهد فرع علم النفس الاجتماعي توسعا في عدة مجالات خلال القرن 21، لنطرح مثلا كيف أن المواقف التي نشهدها في حياتنا تؤثر على سعادتنا وصحتنا وكيف أن هذه المواقف لها دور كبير على تصرفاتنا وتطور ثقافتنا كأفراد في المجتمع، ومثال آخر هو علم الأعصاب الاجتماعي وهو مجال يدرس كيف أن أنشطة عقولنا تتأثر وتؤثر على سلوكياتنا الاجتماعية.
يسعى علماء النفس الاجتماعي للبحث عن طرق جديدة تساعدهم في قياس وفهم السلوكيات الاجتماعية ومجال علم النفس الاجتماعي يستمر في التطور بحيث لا يمكننا التنبؤ بالمكان الذي سيصل إليه في المستقبل وليس لدينا شك في أنه سيظل مستمرا في التطور والتوسع وسيبقى حيا ببقاء البشرية.