نشأة علم النفس
علم النفس
يُعرّف علم النفس على أنّه العلم الذي يدرس الأنماط السلوكيّة للإنسان بشكل خاص؛ حيث يفهم العمليّات والوظائف العقليّة وطرق توظيفها وتأثيرها على الاستجابات السلوكية المختلفة للأفراد، وتدرس الدراسات النفسية الجوانب المختلفة للسلوك الفردي والجماعي ومستويات الدوافع والانفعالات والتفاعلات المُختلفة، بالإضافة إلى العمليّات العقلية؛ كالتذكر، والتفكير، والتعلم، والفروق الفردية، ومستويات الذكاء والقدرات العقلية، وبذلك اختلفت مدارس الدراسات النفسيّة باختلاف الجوانب التي قامت على دراستها وآراء العلماء والباحثين فيها؛ حيث بحث كلّ عالم في جانب مُعيّن من جوانب النفس البشرية
يعدّ علم النفس بشكل عام من العلوم الإنسانية المهمّة، فدراسة النفس الانسانية تُساعد على معرفة وتصنيف حالات السواء واللاسواء وتحديد مواطن السلامة والشذوذ النفسي، بالإضافة إلى تقديم الخطط العلاجية للاضطرابات النفسية للوصول بالفرد إلى حالة من السلامة والصحة النفسية.
نشأة علم النفس
ظهرت الدراسات النفسية في حقبتين من الزمن؛ فكانت الحقبة الأولى في المَرحلة البدائية لعلم النفس عند الفلاسفة القدماء ، وأما الحقبة الثانية فكانت الدراسات الحديثة لعلم النفس ونشأته واستقلاله بشكل كامل عن العلوم الفلسفية.
علم النفس البدائي
درس العلماء الفلاسفة القدماء علم النفس دراسةً بدائيةً ضمن الدراسات والعلوم الفلسفية القديمة؛ حيث اهتمّ الفلاسفة منذ القدم بفهم سلوك الكائن الحي، إلَّا أن أصول وجذور علم النفس تعود إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو الذي درس قدرة الإنجاز العقلي للإنسان، وكان يعتقد حينها أن العقل والنفس والتي كان يطلق عليها الإغريق مُسمّى الروح هي جزء منفصل تماماً عن الجسم، وأنّ النفس هي القدرة على التفكير كما أنها مصدر الفضائل الإنسانية.
ظهرت الكثير من الدراسات والآراء النفسية التي دحضها وفنَّدها علم النفس الحديث، أما في العصور العربية والاسلامية شارك الكثير من المفكّرين والفلاسفة المسلمين بالدراسات النفسية كابن سينا، وابن الهيثم وغيرهم، وفي أوروبا أسهم علماء العصور الوسطى في القرنين السابع عشر والثامن عشر في دراسة السلوك الإنساني؛ فأشار ديكارت إلى أن العقل والجسم جزءان منفصلان يملك كلٌّ منهما التأثير الكبير على الآخر، بالإضافة إلى اهتمام الكَثير من العلماء بالدراسات الفلسفية والنفسية.
علم النفس الحديث
أجمع عُلماء النفس الحديث أنّ علم النفس استقلّ بشكلٍ كامل في القرن التاسع عشر وتحديداً بين الأعوام 1861م، و1879م؛ حَيث ظهرت بداية انفصاله عن العلوم الفلسفية باختراع العالم الألماني فونت عام 1861م أوّل جهاز يخدم البحوث النفسية، تبِعتها سلسلة من الدّراسات والأبحاث التي انتهت بتأسيس فونت أوّل مُختبر سيكولوجي نفسي في عام 1879م؛ حيث اعتبر هذا العام انطلاقة ظهور علم النفس كعلم قائم بحد ذاته من العلوم الإنسانية، أمّا الدراسات التي أجراها فونت؛ فقد أسهمت بشكل كبير وإيجابي في تحجيم الصّراعات التي تدور حول علم النفس وعلاقته بالعلوم الفلسفيّة، وتم في النهاية حسم الموضوع وانفصال علم النفس واستقلاله، وتتابع بعدها ظهور الدراسات والأبحاث للكثير من العلماء ابتداءً بتلاميذ فونت وحتى ظهور المدارس والآراء النفسية المختلفة، وظهر بعدها علم النفس كفرعٍ من فروع الدّراسات الإنسانية الأكاديمية التي تدرّس في الجامعات الأمريكية والأوروبية.
أهداف علم النفس
تهدف العلوم بصورة عامة إلى ثلاثة أمور تتمثّل في الفهم والتفسير، والضبط، والتنبؤ، ويوظّف علم النفس هذه الأهداف على الشكل الآتي:
- الفهم: يهدف علم النفس إلى فهم الظواهر السلوكية الفردية وتفسيرها، كما يسعى إلى تقديم التفسيرات الموضوعيّة والمنطقية للسلوكيات المختلفة، أي إنّه يساعد الفرد على فهم ذاته وانفعالاتها وفهمه للآخرين، بالإضافة إلى تفسير الدوافع الحقيقية الكامنة وراء سلوك مُعين؛ حيث تُحرّك الدوافع الإنسان حسب البواعث الذاتية، وبالتالي فإنّ هذه الدوافع تلعب الدور الكبير في تشكيل السلوكيّات حسب تفاعلها مع المُثيرات المختلفة، كما يَسعى علم النفس من خلال فهم السلوك وتفسيره إلى مَعرفة وتحديد جوانب القوة والضعف، والكشف عن الاضطرابات والانحرافات السلوكيّة والنفسية التي من شأنها أن تُؤثّر سلباً على سيرِ حياة الفرد بشكل مستقر، وشرح جميع العوامل التي تؤثّرعلى القدرات العقلية والحالة النفسية وعمليّاته العقلية.
- التنبؤ: من خلال المُعطيات التي قدّمها علم النفس من فهم السلوك وتفسير مُدخلاته وشرح الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي تقف وراءه تظهر إمكانيّة التنبؤ والاستبصار بسلوكيّات مُعيّنة قد يقوم بها الأفراد خلال تَعرّضه لمُثيرات مُحدّدة تَستوجب حصول هذه الاستجابة بحدّ ذاتها، أي توقّع استجابة مُعيّنة وانتظار ظهورها عند تعرض الفرد لموقفٍ معين، مما يُساعد على عمليّة تحديد المقدار الكمّي والكيفي للاستِجابات، وبالتالي مُحاولة ضَبط السّلوك والتحكّم به.
- التحكّم والضبط: إنّ التنبؤ بالسلوك وتخمين زمن وشدّة حدوثه عند التعرّض لموقفٍ مُعين يساعد على عَمليّة ضبط وتوجيه السلوك الإنساني في وقتٍ لاحق، أي ظهور إمكانية الضغط والشدّ على الاستجابات السلوكية وبالتالي إيقاع التأثير الإيجابي عليها، ويظهر أثر الضبط والتحكّم بالسلوك من خلال إخضاع الفرد بطريقة علميّة ومدروسة لمُثيرات مُحدّدة وبالتالي ظهور أثرها على استجابات هذا الفرد، كما أنّها لا تَظهر إمكانيّة التحكم بالسلوك إلا من خلال فهم وتفسير السلوك والتنبؤ به، إلا أنّ إمكانية الضبط والتحكم ليست مُجدية بشكلٍ كامل؛ حيث إن السلوك الإنساني متغيّر بشكل مستمر وغير ثابت، ولا يَخضع لقوانين مُعيّنة ليسير عليها.